صفحة جزء
( 3184 ) فصل : وإذا اشترى ممن في ماله حرام وحلال ، كالسلطان الظالم ، والمرابي ; فإن علم أن المبيع من حلال ماله ، فهو حلال ، وإن علم أنه حرام ، فهو حرام ، ولا يقبل قول المشتري عليه في الحكم ; لأن الظاهر أن ما في يد الإنسان ملكه ، فإن لم يعلم من أيهما هو ، كرهناه لاحتمال التحريم فيه ، ولم يبطل البيع ; لإمكان الحلال ، قل الحرام أو كثر . وهذا هو الشبهة ، وبقدر قلة الحرام وكثرته ، تكون كثرة الشبهة وقلتها .

قال أحمد : لا يعجبني أن يأكل منه ; لما روى النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الحلال بين والحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات ، لا يعلمها كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي حول الحمى ، يوشك أن يرتع فيه . ألا وإن لكل ملك حمى ، وحمى الله محارمه } . متفق عليه . وهذا لفظ رواية مسلم . وفي لفظ رواية البخاري : { فمن ترك ما اشتبه عليه ، كان لما استبان أترك ، ومن اجترأ على ما يشك فيه من المأثم ، أوشك أن يواقع ما استبان . } وروى الحسن بن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك . } وهذا مذهب الشافعي . [ ص: 181 ] فصل : والمشكوك فيه على ثلاثة أضرب ; الأول ، ما أصله الحظر ، كالذبيحة في بلد فيها مجوس وعبدة أوثان يذبحون ، فلا يجوز شراؤها وإن أمكن أن يكون ذابحها مسلما ; لأن الأصل التحريم ، فلا يزول إلا بيقين أو ظاهر .

وكذلك إن كان فيها أخلاط من المسلمين والمجوس ، لم يجز شراؤها لذلك . والأصل فيه حديث عدي بن حاتم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا أرسلت كلبك ، فخالط كلبا لم يسم عليها ، فلا تأكل ، فإنك لا تدري أيها قتله } . متفق عليه . فأما إن كان ذلك في بلد الإسلام ، فالظاهر إباحتها لأن المسلمين لا يقرون في بلدهم بيع ما لا يحل بيعه ظاهرا . والثاني ، ما أصله الإباحة ، كالماء يجده متغيرا ، لا يعلم أبنجاسة تغير أم بغيرها ؟ فهو طاهر في الحكم ; لأن الأصل الطهارة ، فلا نزول عنها إلا بيقين أو ظاهر ، ولم يوجد واحد منهما . والأصل في ذلك حديث عبد الله بن زيد ، قال : { شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه في الصلاة أنه يجد الشيء ، قال : لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا . } متفق عليه . والثالث ، ما لا يعرف له أصل ، كرجل في ماله حلال وحرام ، فهذا هو الشبهة ، التي الأولى تركها ، على ما ذكرنا ، وعملا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه وجد تمرة ساقطة ، فقال : لولا أني أخشى أنها من الصدقة لأكلتها } . وهو من باب الورع .

التالي السابق


الخدمات العلمية