صفحة جزء
( 3238 ) فصل فأما . الإقالة في المسلم فيه ، فجائزة ، لأنها فسخ . قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، على أن الإقالة في جميع ما أسلم فيه جائزة ; لأن الإقالة فسخ للعقد ، ورفع له من أصله ، وليست بيعا . قال القاضي : ولو قال : لي عندك هذا الطعام ، صالحني منه على ثمنه . جاز ، وكانت إقالة صحيحة .

فأما الإقالة في بعض المسلم فيه ، فاختلف عن أحمد فيها ; فروي عنه أنها لا تجوز . ورويت كراهتها عن ابن عمر ، وسعيد بن المسيب ، والحسن ، وابن سيرين ، والنخعي ، وسعيد بن جبير ، وربيعة ، وابن أبي ليلى ، وإسحاق . وروى حنبل ، عن أحمد . أنه قال : لا بأس بها . وروي ذلك عن ابن عباس ، وعطاء ، وطاووس ، ومحمد بن علي [ ص: 202 ] وحميد بن عبد الرحمن ، وعمرو بن دينار ، والحكم ، والثوري ، والشافعي ، والنعمان وأصحابه ، وابن المنذر . ولأن الإقالة مندوب إليها ، وكل معروف جاز في الجميع جاز في البعض ، كالإبراء والإنظار .

ووجه الرواية الأولى ، أن السلف في الغالب يزاد فيه في الثمن من أجل التأجيل ، فإذا أقاله في البعض ، بقي البعض بالباقي من الثمن وبمنفعة الجزء الذي حصلت الإقالة فيه ، فلم يجز ، كما لو اشترط ذلك في ابتداء العقد . ويخرج عليه الإبراء والإنظار ; فإنه لا يتعلق به شيء من ذلك .

( 3239 ) فصل : إذا أقاله ، رد الثمن إن كان باقيا ، أو مثله إن كان مثليا ، أو قيمته إن لم يكن مثليا . فإن أراد أن يعطيه عوضا عنه ، فقال الشريف أبو جعفر : ليس له صرف ذلك الثمن في عقد آخر حتى يقبضه . وبه قال أبو حنيفة ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره } . ولأن هذا مضمون على المسلم إليه بعقد السلم ، فلم يجز التصرف فيه قبل قبضه ، كما لو كان في يد المشتري .

وقال القاضي أبو يعلى : يجوز أخذ العوض عنه . وهو قول الشافعي ; لأنه عوض مستقر في الذمة ، فجاز أخذ العوض عنه ، كما لو كان قرضا . ولأنه مال عاد إليه بفسخ العقد ، فجاز أخذ العوض عنه ، كالثمن في المبيع إذا فسخ ، والمسلم فيه مضمون بالعقد ، وهذا مضمون بعد فسخه ، والخبر أراد به المسلم فيه ، فلم يتناول هذا . فإن قلنا بهذا ، فحكمه حكم ما لو كان قرضا أو ثمنا في بيوع الأعيان ، لا يجوز جعله سلما في شيء آخر ; لأنه يكون بيع دين بدين ، ويجوز فيه ما يجوز في القرض وأثمان البياعات إذا فسخت .

التالي السابق


الخدمات العلمية