صفحة جزء
( 348 ) مسألة : قال : ( والتيمم ضربة واحدة ) المسنون عند أحمد التيمم بضربة واحدة . فإن تيمم بضربتين جاز . وقال القاضي : الإجزاء يحصل بضربة ، والكمال ضربتان . والمنصوص ما ذكرناه ، قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : التيمم ضربة واحدة ؟ فقال : نعم ضربة للوجه والكفين ، ومن قال ضربتين ، فإنما هو شيء زاده . قال الترمذي : وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم ; منهم علي ، وعمار ، وابن عباس ، وعطاء ، والشعبي ، ومكحول ، والأوزاعي ، ومالك ، وإسحاق .

وقال الشافعي : لا يجزئ التيمم إلا بضربتين للوجه واليدين إلى المرفقين . وروي ذلك عن ابن عمر ، وابنه سالم ، والحسن ، والثوري ، وأصحاب الرأي ; لما روى ابن الصمة { ، أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم ، فمسح وجهه وذراعيه } . وروى ابن عمر ، وجابر ، وأبو أمامة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { التيمم ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين } ; ولأنه بدل يؤتى به في محل مبدله ، وكان حده عنهما واحدا كالوجه . ولنا ما { روى عمار ، قال : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ، فأجنبت ، فلم أجد الماء ، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ، ثم مسح الشمال على اليمين ، وظاهر كفيه ووجهه } . متفق عليه ;

ولأنه حكم علق على مطلق اليدين فلم يدخل فيه الذراع ، كقطع السارق ، ومس الفرج ، وقد احتج ابن عباس بهذا فقال : إن الله تعالى قال في التيمم : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم } وقال : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } . وكانت السنة في القطع من الكفين ، إنما هو الوجه والكفان . يعني التيمم . وأما أحاديثهم فضعيفة . قال الخلال : الأحاديث في ذلك ضعيفة جدا ، ولم يرو منها أصحاب السنن إلا حديث ابن عمر . وقال أحمد : ليس بصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو عن ابن عمر ، وهو عندهم حديث منكر . وقال الخطابي : يرويه محمد بن ثابت ، وهو ضعيف وقال ابن عبد البر : لم يروه غير محمد بن ثابت ، وبه يعرف ، ومن أجله يضعف عندهم ، وهو حديث منكر . وحديث ابن الصمة صحيح ، لكن إنما جاء في المتفق عليه

: فمسح وجهه ويديه . فيكون حجة لنا ; لأن ما علق على مطلق اليدين لا يتناول الذراعين . ثم أحاديثهم لا تعارض حديثنا ; فإنها تدل على جواز التيمم بضربتين ، ولا ينفي ذلك جواز التيمم بضربة ، كما أن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثلاثا لا ينفي الإجزاء بمرة [ ص: 155 ] واحدة . فإن قيل : فقد روي في حديث عمار : إلى المرفقين .

ويحتمل أنه أراد بالكفين اليدين إلى المرفقين . قلنا : أما حديثه إلى المرفقين ، فلا يعول عليه ، إنما رواه سلمة ، وشك فيه ، فقال له منصور : ما تقول فيه ، فإنه لا يذكر الذراعين أحد غيرك ؟ فشك ، وقال : لا أدري ، أذكر الذراعين ، أم لا ؟ قال ذلك النسائي . فلا يثبت مع الشك ، وقد أنكر عليه ، وخالف به سائر الرواة الثقات ، فكيف يلتفت إلى مثل هذا ؟ وهو لو انفرد لم يعول عليه ، ولم يحتج به .

وأما التأويل فباطل ; لوجوه : أحدها ، أن عمارا الراوي له الحاكي لفعل النبي صلى الله عليه وسلم أفتى بعد النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم للوجه والكفين عملا بالحديث . وقد شاهد فعل النبي صلى الله عليه وسلم والفعل لا احتمال فيه .

والثاني أنه قال ضربة واحدة ، وهم يقولون ضربتان . والثالث أننا لا نعرف في اللغة التعبير بالكفين عن الذراعين .

والرابع أن الجمع بين الخبرين بما ذكرناه من أن كل واحد من الفعلين جائز أقرب من تأويلهم وأسهل ، وقياسهم ينتقض بالتيمم عن الغسل الواجب ، فإنه ينقص عن المبدل ، وكذلك في الوضوء ، فإنه في أربعة أعضاء ، والتيمم في عضوين ، وكذا نقول في الوجه ، فإنه لا يجب مسح ما تحت الشعور الخفيفة ، ولا المضمضة والاستنشاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية