صفحة جزء
( 3340 ) فصل : إذا أقر الراهن بالوطء لم يخل من ثلاثة أحوال ; أحدها ، أن يقر به حال العقد ، أو قبل لزومه ، فحكم هذين واحد ، ولا يمنع ذلك صحة العقد ; لأن الأصل عدم الحمل ، فإن بانت حائلا ، أو حاملا بولد لا يلحق بالراهن ، فالرهن بحاله ، وكذلك إن كان يلحق به ، لكن لا تصير به أم ولد ، مثل إن وطئها وهي زوجته ، ثم ملكها ورهنها .

وإن بانت حاملا بولد تصير به أم ولد ، بطل الرهن ، ولا خيار للمرتهن ، وإن كان مشروطا في بيع ; لأنه دخل مع العلم بأنها قد لا تكون رهنا ، فإذا خرجت من الرهن بذلك السبب الذي علمه ، لم يكن له خيار ، كالمريض إذا مات ، والجاني إذا اقتص منه . وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي . وقال بعضهم : له الخيار ; لأن الوطء نفسه لا يثبت الخيار ، فلم يكن رضاه به رضى بالحمل الذي يحدث منه ، بخلاف الجناية والمرض

ولنا ، أن إذنه في الوطء إذن فيما يئول إليه ، كذلك رضاه به رضى بما يئوله إليه . الحال الثالث ، أقر بالوطء بعد لزوم الرهن ، فإنه يقبل في حقه ، ولا يقبل في حق المرتهن ; لأنه أقر بما يفسخ عقدا لازما لغيره ، فلم يقبل ، كما لو أقر بذلك بعد بيعها . ويحتمل أن يقبل ; لأنه أقر في ملكه بما لا تهمة فيه ، لأنه يستضر بذلك أكثر من نفعه بخروجها من الرهن

والأول أصح ; لأن إقرار الإنسان على غيره لا يقبل . وهكذا الحكم فيما إذا أقر [ ص: 239 ] بأنه غصبها ، أو أنها كانت جنت جناية تعلق أرشها برقبتها . وللشافعي في ذلك قولان ، وإن أقر أنه أعتقها ، صح إقراره ، وخرجت من الرهن . وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي في أحد قوليه : لا يقبل . بناء على أنه لا يصح إعتاقه للرهن

ولنا ، أنه لو أعتقه لنفذ عتقه ، فقبل إقراره بعتقه ، كغير الرهن ، ولأن إقراره بعتقه يجري مجرى عتقه ، فأشبه ما لو قال : أنت حر . ويتخرج أن لا ينفذ إقرار المعسر ، بناء على أنه لا ينفذ إعتاقه . وكل موضع قلنا : القول قول الراهن . فقال القاضي : ذلك مع يمينه ; لأن كذبه محتمل . ويحتمل أن لا يستحلف ، لأنه لو رجع عن إقراره ، لم يقبل ، فلا فائدة في استحلافه . واختلف أصحاب الشافعي في استحلافه ، على نحو الوجهين . والصحيح عندي أنه إذا أقر بالعتق لم يستحلف ; لأن ذلك جرى مجرى قوله : أنت حر . فلم يحتج إلى يمين ، كما لو صرح به

وإن أقر بالغصب والجناية ، فإنه إن لم يدع ذلك المغصوب منه والمجني عليه ، لم يلتفت إلى قول الراهن ، وجها واحدا ، وإن ادعياه ، فاليمين عليهما ; لأن الحق لهما ، ورجوعهما عنه مقبول ، فكانت اليمين عليهما ، كسائر الدعاوى . وإن أقر باستيلاد أمته ، فعليه اليمين ; لأن نفعها عائد إليه من حل استمتاعها ، وملك خدمتها ، فكانت اليمين عليه ، بخلاف ما قبلها

وإن قلنا : القول قول المرتهن . فعليه اليمين بكل حال ; لأنه لو اعترف ثبت الحق في الرهن ، ويمينه على نفي العلم ، لأنها على نفي فعل الغير ، فإذا حلف ، سقطت الدعوى بالنسبة إليه ، وبقي حكمها في حق الراهن ، بحيث لو عاد إليه الرهن ظهر فيه حكم إقراره ، وإن أراد المجني عليه ، أو المغصوب منه ، أن يغرماه في الحال ، فلهما ذلك ; لأنه منع من استيفاء الجناية بتصرفه ، فلزمه أرشها ، كما لو قتله .

التالي السابق


الخدمات العلمية