صفحة جزء
( 3355 ) مسألة قال : وإذا اشترى منه سلعة ، على أن يرهنه بها شيئا من ماله يعرفانه ، أو على أن يعطيه بالثمن حميلا يعرفانه ، فالبيع جائز . فإن أبى تسليم الرهن ، أو أبى الحميل أن يتحمل ، فالبائع مخير في فسخ البيع ، وفي إقامته بلا رهن ولا حميل الحميل : الضمين . وهو فعيل بمعنى فاعل ، يقال : ضمين ، وحميل ، وقبيل ، وكفيل ، وزعيم ، وصبير ، بمعنى واحد .

وجملة ذلك أن البيع بشرط الرهن أو الضمين صحيح ، والشرط صحيح أيضا ; لأنه من مصلحة العقد ، غير مناف لمقتضاه ، ولا نعلم في صحته خلافا إذا كان معلوما ، ولذلك قال الخرقي يعرفانه في الرهن والضمين معا

ومعرفة الرهن تحصل بأحد شيئين ; المشاهدة ، أو الصفة التي يعلم بها الموصوف ، كما في السلم . ويتعين بالقبض . وأما الضمين فيعلم بالإشارة إليه ، أو تعريفه بالاسم والنسب ، ولا يصح بالصفة بأن يقول : رجل غني . من غير تعيين ; لأن الصفة لا تأتي عليه . ولو قال : بشرط رهن أو ضمين . كان فاسدا ; لأن ذلك يختلف ، وليس له عرف ينصرف إليه بإطلاق . ولو قال : بشرط رهن أحد هذين العبدين . أو : يضمنني أحد هذين الرجلين . لم يصح ; لأن الغرض يختلف . فلم يصح مع عدم التعيين ، كالبيع . وهذا مذهب الشافعي . وحكي عن مالك وأبي ثور أنه [ ص: 246 ] يصح شرط الرهن المجهول ، ويلزمه أن يدفع إليه رهنا بقدر الدين ; لأنه وثيقة ، فجاز شرطها مطلقا ، كالشهادة

وقال أبو حنيفة إذا قال : على أن أرهنك أحد هذين العبدين . جاز ; لأن بيعه جائز عنده . ولنا ، أنه شرط رهنا مجهولا ، فلم يصح ، كما لو شرط رهن ما في كمه ، ولأنه عقد يختلف فيه المعقود عليه ، فلم يصح مع الجهل ، كالبيع ، وفارق الشهادة ، فإن لها عرفا في الشرع حملت عليه ، والكلام مع أبي حنيفة قد مضى في البيع ، فإن الخلاف فيهما واحد . إذا ثبت هذا فإن المشتري إن وفى بالشرط ، فسلم الرهن ، أو حمل عنه الحميل ، لزم البيع ، وإن أبى تسليم الرهن ، أو أبى الحميل أن يتحمل عنه ، فللبائع الخيار بين فسخ البيع وبين إمضائه والرضا به بلا رهن ولا حميل ، فإن رضي به لزمه البيع . وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي . ولا يلزم المشتري تسليم الرهن

وقال مالك وأبو ثور : يلزم الرهن إذا كان مشروطا في عقد البيع . ويجبر عليه المشتري . وإن وجده الحاكم دفعه إلى البائع ; لأن عقد البيع وقع عليه ، فأشبه الخيار

وقال القاضي : ما عدا المكيل والموزون يلزم فيه الرهن بمجرد العقد . وقد مضى الكلام معه في أول الباب . ولأنه رهن ، فلم يلزم قبل القبض ، كما لو لم يكن مشروطا في البيع ، أو كغير المكيل والموزون ، وإنما لزم الخيار والأجل بالشرط ، لأنه من توابع البيع ، لا ينفرد بنفسه ، والرهن عقد منفرد بنفسه ليس من التوابع ، ولأن الخيار والأجل يثبت بالقول ، ولا يفتقر إلى تسليم ، فاكتفي في ثبوته بمجرد القول ، بخلاف الرهن . وأما الضمين ، فلا خلاف في أنه لا يلزمه الضمان ، إذ لا يلزمه شغل ذمته وأداء دين غيره باشتراط غيره

ولو وعده بأنه يضمن ، ثم لم يفعل ، لم يلزم في الحكم ، كما لو وعده أنه يبيعه ، ثم أبى ذلك . ومتى لم يف المشتري للبائع بشرطه ، كان له الفسخ ، كما لو شرط صفة في الثمن ، فلم يف بها ، ولأنه أحد المتعاقدين ، فإذا لم يف بما شرط في العقد ، ثبت الخيار لصاحبه ، كالبائع إذا شرط المبيع على صفة ، فبان بخلافها .

التالي السابق


الخدمات العلمية