صفحة جزء
( 3444 ) مسألة ; قال : وإذا كان على المفلس دين مؤجل ، لم يحل بالتفليس ، وكذلك في الدين الذي على الميت ، إذا وثق الورثة وجملته أن الدين المؤجل يحل بفلس من هو عليه ، رواية واحدة . قاله القاضي . وذكر أبو الخطاب فيه رواية أخرى ، أنه يحل . وبه قال مالك . وعن الشافعي كالمذهبين . واحتجوا بأن الإفلاس يتعلق به الدين بالمال ، فأسقط الأجل كالموت . ولنا ، أن الأجل حق للمفلس ، فلا يسقط بفلسه ، كسائر حقوقه ، ولأنه لا يوجب حلول ماله ، فلا يوجب حلول ما عليه ، كالجنون والإغماء ، ولأنه دين مؤجل على حي ، فلم يحل قبل أجله ، كغير المفلس ، ولا نسلم أن الدين يحل بالموت ، فهو كمسألتنا ، وإن سلمنا ، فالفرق بينهما أن ذمته خربت وبطلت بخلاف المفلس

إذا ثبت هذا ، فإنه إذا حجر على المفلس ، فقال أصحابنا لا يشارك أصحاب الديون المؤجلة غرماء الديون الحالة ، بل يقسم المال الموجود بين أصحاب الديون الحالة ، ويبقى المؤجل في الذمة إلى وقت حلوله ، فإن لم يقتسم الغرماء حتى حل الدين ، شارك الغرماء ، كما لو تجدد على المفلس دين بجنايته ، وإن أدرك بعض المال قبل قسمه ، شاركهم فيه ، ويضرب فيه بجميع دينه ، ويضرب سائر الغرماء ببقية ديونهم . وإن قلنا : إن الدين يحل . فإنه يضرب مع الغرماء بدينه ، كغيره من أرباب الديون الحالة . فأما إن مات وعليه ديون مؤجلة ، فهل تحل بالموت ؟ فيه روايتان ; إحداهما ، لا تحل إذا وثق الورثة

وهو قول ابن سيرين وعبد الله بن الحسن ، وإسحاق ، وأبي عبيد . وقال طاوس ، وأبو بكر بن محمد ، والزهري ، وسعد بن إبراهيم : الدين إلى أجله . وحكي ذلك عن الحسن . والرواية الأخرى ، أنه يحل بالموت . وبه قال الشعبي ، والنخعي ، وسوار ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، [ ص: 282 ] وأصحاب الرأي ; لأنه لا يخلو إما أن يبقى في ذمة الميت ، أو الورثة ، أو يتعلق بالمال ، لا يجوز بقاؤه في ذمة الميت لخرابها ، وتعذر مطالبته بها ، ولا ذمة الورثة ; لأنهم لم يلتزموها ، ولا رضي صاحب الدين بذممهم ، وهي مختلفة متباينة ، ولا يجوز تعليقه على الأعيان وتأجيله ; لأنه ضرر بالميت وصاحب الدين ، ولا نفع للورثة فيه ; أما الميت فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الميت مرتهن بدينه ، حتى يقضى عنه } . وأما صاحبه فيتأخر حقه ، وقد تتلف العين فيسقط حقه

وأما الورثة ، فإنهم لا ينتفعون بالأعيان ، ولا يتصرفون فيها ، وإن حصلت لهم منفعة ، فلا يسقط حظ الميت وصاحب الدين لمنفعة لهم . ولنا ، ما ذكرنا في المفلس ، ولأن الموت ما جعل مبطلا للحقوق ، وإنما هو ميقات للخلافة ، وعلامة على الوراثة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { من ترك حقا أو مالا فلورثته }

وما ذكروه إثبات حكم بالمصلحة المرسلة ، ولا يشهد لها شاهد الشرع باعتبار ، ولا خلاف في فساد هذا ، فعلى هذا يبقى الدين في ذمة الميت كما كان ، ويتعلق بعين ماله كتعلق حقوق الغرماء بمال المفلس عند الحجر عليه . فإن أحب الورثة أداء الدين ، والتزامه للغريم ، ويتصرفون في المال ، لم يكن لهم ذلك ، إلا أن يرضى الغريم أو يوثقوا الحق بضمين مليء ، أو رهن يثق به لوفاء حقه ، فإنهم قد لا يكونون أملياء ، ولم يرض بهم الغريم ، فيؤدي إلى فوات الحق

وذكر القاضي أن الحق ينتقل إلى ذمم الورثة بموت مورثهم ، من غير أن يشترط التزامهم له . ولا ينبغي أن يلزم الإنسان دين لم يلتزمه ، ولم يتعاط سببه ، ولو لزمهم ذلك لموت مورثهم للزمهم وإن لم يخلف وفاء ، وإن قلنا : إن الدين يحل بالموت . فأحب الورثة القضاء من غير التركة ، واستخلاص التركة ، فلهم ذلك ، وإن قضوا منها ، فلهم ذلك ، وإن امتنعوا من القضاء ، باع الحاكم من التركة ما يقضي به الدين

وإن مات مفلس وله غرماء ، بعض ديونهم مؤجل ، وبعضها حال ، وقلنا : المؤجل يحل بالموت . تساووا في التركة ، فاقتسموها على قدر ديونهم . وإن قلنا : لا يحل بالموت . نظرنا ; فإن وثق الورثة لصاحب المؤجل ، اختص أصحاب الحال بالتركة ، وإن امتنع الورثة من التوثيق ، حل دينه ، وشارك أصحاب الحال ، لئلا يفضي إلى إسقاط دينه بالكلية .

التالي السابق


الخدمات العلمية