صفحة جزء
[ ص: 283 ] مسألة ; قال : وكل ما فعله المفلس في ماله قبل أن يقفه الحاكم ، فجائز يعني قبل أن يحجر عليه الحاكم . فنبدأ بذكر سبب الحجر ، فنقول : إذا رفع إلى الحاكم رجل عليه دين ، فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه ، لم يجبهم حتى تثبت ديونهم باعترافه أو ببينة ، فإذا ثبتت ، نظر في ماله ، فإن كان وافيا بدينه ، لم يحجر عليه ، وأمره بقضاء دينه ، فإن أبى حبسه ، فإن لم يقضه ، وصبر على الحبس قضى الحاكم دينه من ماله ، وإن احتاج إلى بيع ماله في قضاء دينه باعه ، وإن كان ماله دون دينه ، وديونه مؤجلة ، لم يحجر عليه ; لأنه لا تستحق مطالبته بها ، فلا يحجر عليه من أجلها

وإن كان بعضها مؤجلا ، وبعضها حالا ، وماله يفي بالحال ، لم يحجر عليه أيضا كذلك . وقال بعض أصحاب الشافعي : إن ظهرت أمارات الفلس ، لكون ماله بإزاء دينه ، ولا نفقة له إلا من ماله ، ففيه وجهان ; أحدهما ، يحجر عليه ; لأن الظاهر أن ماله يعجز عن ديونه ، فهو كما لو كان ماله ناقصا . ولنا : أن ماله واف بما يلزمه أداؤه ، فلم يحجر عليه ، كما لو لم تظهر أمارات الفلس ، ولأن الغرماء لا يمكنهم طلب حقوقهم في الحال ، فلا حاجة إلى الحجر . وأما إن كانت ديونه حالة ، يعجز ماله عن أدائها ، فسأل غرماؤه الحجر عليه ، لزمته إجابتهم

ولا يجوز الحجر عليه بغير سؤال غرمائه ; لأنه لا ولاية له في ذلك ، وإنما يفعله لحق الغرماء ، فاعتبر رضاهم به . وإن اختلفوا ، فطلب بعضهم دون بعض ، أجيب من طلب ; لأنه حق له . وبهذا قال مالك ، والشافعي ، وقال أبو حنيفة : ليس للحاكم الحجر عليه ، فإذا أدى اجتهاده إلى الحجر عليه ثبت ; لأنه فصل مجتهد فيه ، وليس له التصرف في ماله ; لأنه لا ولاية عليه ، إلا أن الحاكم يجبره على البيع إذا لم يمكن الإيفاء بدونه ، فإن امتنع لم يبعه ، وكذلك إن امتنع الموسر من وفاء الدين ، لا يبيع ماله ، وإنما يحبسه ليبيع بنفسه ، إلا أن يكون عليه أحد النقدين ، وماله من النقد الآخر ، فيدفع الدراهم عن الدنانير ، والدنانير عن الدراهم ; لأنه رشيد لا ولاية عليه ، فلم يجز للحاكم بيع ماله بغير إذنه ، كالذي لا دين عليه ، وخالفه صاحباه في ذلك

ولنا ، ما روى كعب بن مالك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ ، وباع ماله في دينه . رواه الخلال بإسناده وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خطب الناس ، وقال : ألا إن أسيفع جهينة قد رضي من دينه وأمانته بأن يقال : سبق الحاج ، فادان معرضا ، فأصبح وقد رين به ، فمن كان له عليه مال فليحضر غدا ، فإنا بائعو ماله ، وقاسموه بين غرمائه

ولأنه محجور عليه ، محتاج إلى قضاء دينه ، فجاز بيع ماله بغير رضاه ، كالصغير والسفيه ، ولأنه نوع مال ، فجاز بيعه في قضاء دينه ، كالأثمان . وقياسهم يبطل ببيع الدراهم بالدنانير . إذا ثبت هذا عدنا إلى مسألة الكتاب ، فنقول : ما فعله المفلس قبل حجر الحاكم عليه ، من بيع ، أو هبة ، أو إقرار ، أو قضاء بعض الغرماء ، أو غير ذلك ، فهو جائز نافذ

وبهذا قال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي . ولا نعلم أحدا خالفهم . ولأنه رشيد غير محجور عليه ، فنفذ تصرفه كغيره ، ولأن سبب المنع الحجر ، فلا يتقدم سببه ، ولأنه من أهل التصرف ، ولم يحجر عليه ، فأشبه المليء ، وإن أكرى جملا بعينه ، أو دارا ، لم تنفسخ إجارته بالفلس ، وكان المكتري أحق به ، حتى تنقضي مدته .

التالي السابق


الخدمات العلمية