صفحة جزء
[ ص: 301 ] فصل : وهل يجوز للمرأة الصدقة من مال زوجها بالشيء اليسير ، بغير إذنه ؟ على روايتين ; إحداهما ، الجواز ; لأن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : ما أنفقت المرأة من بيت زوجها ، غير مفسدة ، كان لها أجرها ، وله مثله بما كسب ، ولها بما أنفقت ، وللخازن مثل ذلك ، من غير أن ينتقص من أجورهم شيء } . ولم يذكر إذنا . وعن أسماء ، أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير ، فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي ؟ فقال { : ارضخي ما اسطعت ، ولا توعي ، فيوعى عليك } . متفق عليهما وروي أن { امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إنا كل على أزواجنا وآبائنا ، فما يحل لنا من أموالهم ؟ قال : الرطب تأكلينه ، وتهدينه } .

ولأن العادة السماح بذلك ، وطيب النفس ، فجرى مجرى صريح الإذن ، كما أن تقديم الطعام بين يدي الأكلة قام مقام صريح الإذن في أكله . والرواية الثانية ، لا يجوز ; لما روى أبو أمامة الباهلي ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { : لا تنفق المرأة شيئا من بيتها إلا بإذن زوجها . قيل : يا رسول الله ولا الطعام ؟ . قال : ذاك أفضل أموالنا } . رواه سعيد في " سننه " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم { : لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه } . وقال { إن الله حرم بينكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا } .

ولأنه تبرع بمال غيره بغير إذنه ، فلم يجز ، كغير الزوجة . والأول أصح ; لأن الأحاديث فيها خاصة صحيحة ، والخاص يقدم على العام ويبينه ، ويعرف أن المراد بالعام غير هذه الصورة المخصوصة ، والحديث الخاص لهذه الرواية ضعيف ، ولا يصح قياس المرأة على غيرها ; لأنها بحكم العادة تتصرف في مال زوجها ، وتتبسط فيه ، وتتصدق منه ، لحضورها وغيبته ، والإذن العرفي يقوم مقام الإذن الحقيقي ، فصار كأنه قال لها : افعلي هذا . فإن منعها ذلك ، وقال : لا تتصدقي بشيء ، ولا تتبرعي من مالي بقليل ، ولا كثير . لم يجز لها ذلك ; لأن المنع الصريح نفي للإذن العرفي ولو كان في بيت الرجل من يقوم مقام امرأته

كجاريته ، أو أخته . أو غلامه المتصرف في بيت سيده وطعامه ، جرى مجرى الزوجة فيما ذكرنا ; لوجود المعنى فيه . ولو كانت امرأته ممنوعة من التصرف في بيت زوجها ، كالتي يطعمها بالفرض ، ولا يمكنها من طعامه ، ولا من التصرف في شيء من ماله ، لم يجز لها الصدقة بشيء من ماله ; لعدم المعنى فيها ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية