صفحة جزء
( 3502 ) فصل : وإن صالحه على إقرارها بجزء معلوم من ثمرها ، أو بثمرها كله ، فقد نقل المروذي وإسحاق بن إبراهيم ، عن أحمد ، أنه سئل عن ذلك ، فقال : لا أدري . فيحتمل أن يصح . ونحوه .

وقال مكحول ، فإنه نقل عنه أنه قال : أيما شجرة ظللت على قوم ، فهم بالخيار بين قطع ما ظلل ، أو أكل ثمرها . ويحتمل أن لا يصح . وهو قول الأكثرين . وإليه ذهب الشافعي ; لأن العوض مجهول ، فإن الثمرة مجهولة ، وجزؤها مجهول ، ومن شرط الصلح العلم بالعوض ، ولأن المصالح عليه أيضا مجهول ; لأنه يزيد ويتغير على ما أسلفنا .

ووجه الأول ، أن هذا مما يكثر في الأملاك ، وتدعو الحاجة إليه ، وفي القطع إتلاف ، فجاز مع الجهالة ، كالصلح على مجرى مياه الأمطار ، [ ص: 316 ] والصلح على المواريث الدارسة ، والحقوق المجهولة التي لا سبيل إلى علمها ، ويقوى عندي أن الصلح هاهنا يصح ، بمعنى أن كل واحد منهما يبيح صاحبه ما بذل له ، فصاحب الهواء يبيح صاحب الشجرة إبقاءها ، ويمتنع من قطعها وإزالتها ، وصاحب الشجرة يبيحه ما بذل له من ثمرتها ، ولا يكون هذا بمعنى البيع ; لأن البيع لا يصح بمعدوم ولا مجهول ، والثمرة في حال الصلح معدومة مجهولة ، ولا هو لازم ، بل لكل واحد منهما الرجوع عما بذله ، والعود فيما قاله ; لأنه مجرد إباحة من كل واحد منهما لصاحبه ، فجرى مجرى قول كل واحد منهما لصاحبه : اسكن داري ، وأسكن دارك . من غير تقدير مدة ، ولا ذكر شروط الإجارة ، أو قوله : أبحتك الأكل من ثمرة بستاني ، فأبحني الأكل من ثمرة بستانك .

وكذلك قوله : دعني أجري في أرضك ماء ، ولك أن تسقي به ما شئت ، وتشرب منه . ونحو ذلك ، فهذا مثله بل أولى ، فإن هذا مما تدعو الحاجة إليه كثيرا ، وفي إلزام القطع ضرر كبير ، وإتلاف أموال كثيرة ، وفي الترك من غير نفع يصل إلى صاحب الهواء ضرر عليه ، وفيما ذكرناه جمع بين الأمرين ، ونظر للفريقين ، وهو على وفق الأصول ، فكان أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية