صفحة جزء
( 3583 ) مسألة ; قال : ( فمتى أدى رجع عليه ، سواء قال له : اضمن عني ، أو لم يقل ) . يعني إذا أدى الدين محتسبا بالرجوع على المضمون عنه ، فأما إن قضى الدين متبرعا به ، غير ناو للرجوع به ، فلا يرجع بشيء ; لأنه يتطوع بذلك ، أشبه الصدقة . وسواء ضمن بأمره أو بغير أمره ، فأما إذا أداه بنية الرجوع به ، لم يخل من أربعة أحوال : أحدها ، أن يضمن بأمر المضمون عنه ، ويؤدي بأمره ، فإنه يرجع عليه ، سواء قال له : اضمن عني . أو : أد عني . أو أطلق .

وبهذا قال مالك ، والشافعي وأبو يوسف . وقال أبو حنيفة ومحمد : إن قال : اضمن عني ، وانقد عني . رجع عليه . وإن قال : انقد هذا . لم يرجع ، إلا أن يكون مخالطا له ، يستقرض منه ، ويودع عنده ; لأن قوله : اضمن عني ، وانقد عني . إقرار منه بالحق ، وإذا أطلق ذلك صار كأنه قال : هب لهذا ، أو تطوع عليه . وإذا كان مخالطا له رجع استحسانا ; لأنه قد يأمر مخالطه بالنقد عنه . ولنا ، أنه ضمن ودفع بأمره ، فأشبه إذا كان مخالطا له ، أو قال : اضمن عني .

وما ذكراه ليس بصحيح ; لأنه إذا أمره بالضمان لا يكون إلا لما هو عليه ، وأمره بالنقد بعد ذلك ينصرف إلى ما ضمنه ، بدليل المخالط له ، فيجب عليه أداء ما أدى عنه ، كما لو صرح به . الحال الثاني ، ضمن بأمره ، وقضى بغير أمره ، فله الرجوع أيضا . وبه قال مالك والشافعي في أحد الوجوه عنه .

والوجه الثاني : لا يرجع به ; لأنه دفع بغير أمره ، أشبه ما لو تبرع به . الثالث ، أنه إن تعذر الرجوع على المضمون عنه ، فدفع ما عليه ، رجع ، وإلا فلا ; لأنه تبرع بالدفع . ولنا ، أنه إذا أذن في الضمان ، تضمن ذلك إذنه في الأداء ; لأن الضمان يوجب عليه الأداء ، فيرجع عليه ، كما لو أذن في الأداء صريحا . الحال الثالث ، ضمن بغير أمره ، وقضى بأمره ، فله الرجوع أيضا . وظاهر مذهب

الشافعي أنه لا يرجع ; لأن أمره بالقضاء انصرف إلى ما وجب بضمانه . ولنا : أنه أدى دينه بأمره ، فرجع عليه ، كما لو لم يكن ضامنا ، أو كما لو ضمن بأمره . وقولهم : إن إذنه في القضاء انصرف إلى ما وجب بضمانه .

قلنا : الواجب بضمانه إنما هو أداء دينه ، وليس هو شيئا آخر ، فمتى أداه عنه بإذنه لزمه إعطاؤه بدله . الحال الرابع ، ضمن بغير أمره ، وقضى بغير أمره ، ففيه روايتان ; إحداهما ، يرجع بما أدى . وهو قول مالك ، وعبد الله بن الحسن وإسحاق . والثانية ، لا يرجع بشيء .

وهو قول أبي حنيفة والشافعي ، وابن المنذر ، بدليل حديث علي وأبي قتادة ، فإنهما لو كانا يستحقان الرجوع على الميت ، صار الدين لهما ، فكانت [ ص: 354 ] ذمة الميت مشغولة بدينهما ، كاشتغالها بدين المضمون عنه ، ولم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه تبرع بذلك ، أشبه ما لو علف دوابه وأطعم عبيده بغير أمره . ووجه الأولى ، أنه قضاء مبرئ من دين واجب ، فكان من ضمان من هو عليه ، كالحاكم إذا قضاه عنه عند امتناعه .

فأما علي وأبو قتادة ، فإنهما تبرعا بالقضاء والضمان ، فإنهما قضيا دينه قصدا لتبرئة ذمته ، ليصلي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علمهما بأنه لم يترك وفاء ، والمتبرع لا يرجع بشيء ، وإنما الخلاف في المحتسب بالرجوع .

التالي السابق


الخدمات العلمية