صفحة جزء
[ ص: 7 ] فصل : وإن دفع رجل دابته إلى آخر ليعمل عليها ، وما يرزق الله بينهما نصفين أو أثلاثا أو كيفما شرطا ، صح ، نص عليه في رواية الأثرم ومحمد بن أبي حرب وأحمد بن سعيد . ونقل عن الأوزاعي ما يدل على هذا . وكره ذلك الحسن ، والنخعي وقال الشافعي ، وأبو ثور ، وابن المنذر وأصحاب الرأي : لا يصح ، والربح كله لرب الدابة ; لأن الحمل الذي يستحق به العوض منها .

وللعامل أجر مثله ; لأن هذا ليس من أقسام الشركة ، إلا أن تكون المضاربة ، ولا تصح المضاربة بالعروض ، ولأن المضاربة تكون بالتجارة في الأعيان وهذه لا يجوز بيعها ولا إخراجها عن ملك مالكها . وقال القاضي : يتخرج أن لا يصح ، بناء على أن المضاربة بالعروض لا تصح ، فعلى هذا إن كان أجر الدابة بعينها فالأجر لمالكها ، وإن تقبل حمل شيء فحمله ، أو حمل عليها شيئا مباحا فباعه ، فالأجرة والثمن له ، وعليه أجرة مثلها لمالكها .

ولنا ، أنها عين تنمى بالعمل عليها فصح العقد عليها ببعض نمائها ، كالدراهم والدنانير ، وكالشجر في المساقاة ، والأرض في المزارعة . وقولهم : إنه ليس من أقسام الشركة ، ولا هو مضاربة . قلنا : نعم ، لكنه يشبه المساقاة والمزارعة ، فإنه دفع لعين المال إلى من يعمل عليها ببعض نمائها مع بقاء عينها .

وبهذا يتبين أن تخريجها على المضاربة بالعروض فاسد ; فإن المضاربة إنما تكون بالتجارة والتصرف في رقبة المال ، وهذا بخلافه . وذكر القاضي ، في موضع آخر ، في من استأجر دابة ; ليعمل عليها بنصف ما يرزقه الله تعالى أو ثلثه ، جاز . ولا أرى لهذا وجها ; فإن الإجارة يشترط لصحتها العلم بالعوض ، وتقدير المدة أو العمل ، ولم يوجد ، ولأن هذا عقد غير منصوص عليه ، ولا هو في معنى المنصوص ، فهو كسائر العقود الفاسدة ، إلا أن يريد بالإجارة المعاملة على الوجه الذي تقدم .

وقد أشار أحمد إلى ما يدل على تشبيهه لمثل هذا بالمزارعة ، فقال : لا بأس بالثوب يدفع بالثلث والربع ; لحديث جابر ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر على الشطر . } وهذا يدل على أنه قد صار في هذا ومثله إلى الجواز ; لشبهه بالمساقاة والمزارعة ، لا إلى المضاربة ، ولا إلى الإجارة . ونقل أبو داود ، عن أحمد ، في من يعطي فرسه على النصف من الغنيمة : أرجو أن لا يكون به بأس .

قال إسحاق بن إبراهيم : قال أبو عبد الله : إذا كان على النصف والربع ، فهو جائز . وبه قال الأوزاعي . ونقل أحمد بن سعيد ، عن أحمد ، في من دفع عبده إلى رجل ليكسب عليه ، ويكون له ثلث ذلك أو ربعه ، فجائز ، والوجه فيه ما ذكرناه في مسألة الدابة . وإن دفع ثوبه إلى خياط ليفصله قمصانا يبيعها ، وله نصف ربحها بحق عمله ، جاز . نص عليه في رواية حرب ، وإن دفع غزلا إلى رجل ينسجه ثوبا بثلث ثمنه أو ربعه ، جاز . نص عليه .

ولم يجز مالك وأبو حنيفة والشافعي شيئا من ذلك ; لأنه عوض مجهول وعمل مجهول . وقد ذكرنا وجه جوازه . وإن جعل له مع ذلك دراهم معلومة ، لم يجز . نص عليه . وعنه الجواز . والصحيح الأول . وقال أبو بكر : هذا قول قديم ، وما روي غير هذا فعليه المعتمد .

قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يقول : لا بأس بالثوب يدفع بالثلث والربع . وسئل عن الرجل يعطي الثوب بالثلث ودرهم ودرهمين ؟ قال : أكرهه ; لأن هذا شيء لا يعرف . والثلث إذا لم يكن معه شيء نراه جائزا ; لحديث جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر على الشطر . قيل لأبي عبد الله : فإن كان النساج لا يرضى حتى يزاد على الثلث [ ص: 8 ] درهما ؟ قال : فليجعل له ثلثا وعشري ثلث ونصف عشر وما أشبه .

وروى الأثرم ، عن ابن سيرين ، والنخعي ، والزهري ، وأيوب ، ويعلى بن حكيم ، أنهم أجازوا ذلك . وقال ابن المنذر : كره هذا كله الحسن وقال أبو ثور وأصحاب الرأي : هذا كله فاسد .

واختاره ابن المنذر وابن عقيل ، وقالوا : لو دفع شبكته إلى الصياد ليصيد بها السمك بينهما نصفين ، فالصيد كله للصياد ، ولصاحب الشبكة أجر مثلها . وقياس ما نقل عن أحمد صحة الشركة ، وما رزق الله بينهما على ما شرطاه ; لأنها عين تنمى بالعمل فيها ، فصح دفعها ببعض نمائها كالأرض .

( 3623 ) فصل : قال ابن عقيل { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قفيز الطحان } . وهو أن يعطي الطحان أقفزة معلومة يطحنها بقفيز دقيق منها . وعلة المنع أنه جعل له بعض معموله أجرا لعمله ، فيصير الطحن مستحقا له عليه . وهذا الحديث لا نعرفه ، ولا يثبت عندنا صحته ، وقياس قول أحمد جوازه ; لما ذكرناه عنه من المسائل .

التالي السابق


الخدمات العلمية