صفحة جزء
( 3642 ) فصل : القسم الثالث ، أن يشترك بدن ومال . وهذه المضاربة ، وتسمى قراضا أيضا ، ومعناها أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتجر له فيه ، على أن ما حصل من الربح بينهما حسب ما يشترطانه ، فأهل العراق يسمونه مضاربة ، مأخوذ من الضرب في الأرض ، وهو السفر فيها للتجارة ، قال الله تعالى [ ص: 16 ] { وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله } .

ويحتمل أن يكون من ضرب كل واحد منهما في الربح بسهم . ويسميه أهل الحجاز القراض . فقيل : هو مشتق من القطع . يقال : قرض الفأر الثوب . إذا قطعه . فكأن صاحب المال اقتطع من ماله قطعة وسلمها إلى العامل ، واقتطع له قطعة من الربح . وقيل : اشتقاقه من المساواة والموازنة . يقال : تقارض الشاعران . إذا وازن كل واحد منهما الآخر بشعره . وهاهنا من العامل العمل ، ومن الآخر المال ، فتوازنا .

وأجمع أهل العلم على جواز المضاربة في الجملة . ذكره ابن المنذر وروي عن حميد بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جده ، أن عمر بن الخطاب أعطاه مال يتيم مضاربة يعمل به في العراق ، . وروى مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه : أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضي الله عنهم ، خرجا في جيش إلى العراق ، فتسلفا من أبي موسى مالا ، وابتاعا به متاعا . وقدما به إلى المدينة ، فباعاه ، وربحا فيه ، فأراد عمر أخذ رأس المال والربح كله . فقالا : لو تلف كان ضمانه علينا ، فلم لا يكون ربحه لنا ؟ فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، لو جعلته قراضا ؟ قال : قد جعلته . وأخذ منهما نصف الربح .

وهذا يدل على جواز القراض . وعن مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن جده ، أن عثمان قارضه .

وعن قتادة ، عن الحسن ، أن عليا قال : إذا خالف المضارب فلا ضمان ، هما على ما شرطا . وعن ابن مسعود ، وحكيم بن حزام ، أنهما قارضا . ولا مخالف لهم في الصحابة فحصل إجماعا . ولأن بالناس حاجة إلى المضاربة ، فإن الدراهم والدنانير لا تنمى إلا بالتقلب والتجارة ، وليس كل من يملكها يحسن التجارة ، ولا كل من يحسن التجارة له رأس مال ، فاحتيج إليها من الجانبين ، فشرعها الله تعالى لدفع الحاجتين .

إذا ثبت هذا ، فإنها تنعقد بلفظ المضاربة والقراض ; لأنهما لفظان موضوعان لها أو بما يؤدي معناها ; لأن المقصود المعنى ، فجاز بما دل عليه ، كلفظ التمليك في البيع .

التالي السابق


الخدمات العلمية