صفحة جزء
( 3674 ) فصل : وليس للمضارب دفع المال إلى آخر مضاربة . نص عليه أحمد ، في رواية الأثرم ، وحرب ، وعبد الله ، قال : إن أذن له رب المال ، وإلا فلا . وخرج القاضي وجها في جواز ذلك ، بناء على توكيل الوكيل من غير إذن الموكل . ولا يصح هذا التخريج ، وقياسه على الوكيل ممتنع لوجهين ; أحدهما ، أنه إنما دفع إليه المال هاهنا ليضارب به ، وبدفعه إلى غيره مضاربة يخرج عن كونه مضاربا به ، بخلاف الوكيل . الثاني ، أن هذا يوجب في المال حقا لغيره ، ولا يجوز إيجاب حق في مال إنسان بغير إذنه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ولا أعرف عن غيرهم خلافهم . فإن فعل ، فلم يتلف المال ، ولا ظهر فيه ربح ، رده إلى مالكه ، ولا شيء له ولا عليه

[ ص: 29 ] وإن تلف ، أو ربح فيه ، فقال الشريف أبو جعفر : هو في الضمان والتصرف كالغاصب ، ولرب المال مطالبة من شاء منهما برد المال إن كان باقيا ، وبرد بدله إن كان تالفا ، أو تعذر رده ، فإن طالب الأول ، وضمنه قيمة التالف ، ولم يكن الثاني علم بالحال ، لم يرجع عليه بشيء ; لأنه دفعه إليه على وجه الأمانة . وإن علم بالحال ، رجع عليه ; لأنه قبض مال غيره على سبيل العدوان ، وتلف تحت يده ، فاستقر ضمانه عليه وإن ضمن الثاني مع علمه بالحال ، لم يرجع على الأول .

وإن لم يعلم ، فهل يرجع على الأول ؟ على وجهين ; : أحدهما ، يرجع عليه ; لأنه غره ، فأشبه ما لو غره بحرية أمة . والثاني : لا يرجع ; لأن التلف كان في يده ، فاستقر الضمان عليه . وإن ربح في المال ، فالربح لمالكه ، ولا شيء للمضارب الأول ; لأنه لم يوجد منه مال ولا عمل .

وهل للثاني أجر مثله ؟ على روايتين : إحداهما ، له ذلك ; لأنه عمل في مال غيره بعوض لم يسلم له ، فكان له أجر مثله ، كالمضاربة الفاسدة .

والثانية : لا شيء له ; لأنه عمل في مال غيره بغير إذنه ، فلم يستحق لذلك عوضا ، كالغاصب . وفارق المضاربة ; لأنه عمل في ماله بإذنه . وسواء اشترى بعين المال أو في الذمة . ويحتمل أنه إذا اشترى في الذمة يكون الربح له ، لأنه ربح فيما اشتراه في ذمته مما لم يقع في الشراء فيه لغيره فأشبه ما لو لم ينقد الثمن من مال رب المال .

قال الشريف أبو جعفر : هذا قول أكثرهم . يعني قول مالك والشافعي ، وأبي حنيفة ويحتمل أنه إن كان عالما بالحال ، فلا شيء للعامل ، كالغاصب ، وإن جهل الحال ، فله أجر مثله ، يرجع به على المضارب الأول ; لأنه غره ، واستعمله بعوض لم يحصل له ، فوجب أجره عليه ، كما لو استعمله في مال نفسه . وقال القاضي : إن اشترى بعين المال ، فالشراء باطل . وإن كان اشترى في الذمة ، ثم نقد المال ، وكان قد شرط رب المال للمضارب النصف ، فدفعه المضارب إلى آخر ، على أن يكون لرب المال النصف ، والنصف الآخر بينهما ; فهو على ما اتفقوا عليه ; لأن رب المال رضي بنصف الربح فلا يدفع إليه أكثر منه ، والعاملان على ما اتفقا عليه .

وهذا قول قديم للشافعي وليس هذا موافقا لأصول المذهب ، ولا لنص أحمد فإن أحمد قال : لا يطيب الربح للمضارب . ولأن المضارب الأول ليس له عمل ولا مال ، ولا يستحق الربح في المضاربة إلا بواحد منهما ، والعامل الثاني عمل في مال غيره بغير إذنه ولا شرطه ، فلم يستحق ما شرطه له غيره كما لو دفعه إليه الغاصب مضاربة ، ولأنه إذا لم يستحق ما شرطه له رب المال في المضاربة الفاسدة ، فما شرطه له غيره بغير إذنه أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية