صفحة جزء
فصل : ( 3702 ) وأي المتقارضين مات أو جن ، انفسخ القراض ; لأنه عقد جائز ، فانفسخ بموت أحدهما وجنونه ، كالتوكيل . فإن كان الموت أو الجنون برب المال ، فأراد الوارث أو وليه إتمامه ، والمال ناض ، جاز ، ويكون [ ص: 39 ] رأس المال وحصته من الربح رأس المال ، وحصة العامل من الربح شركة له مشاعة . وهذه الإشاعة لا تمنع ; لأن الشريك هو العامل ، وذلك لا يمنع التصرف . وإن كان المال عرضا وأرادوا إتمامه ، فظاهر كلام أحمد جوازه ; لأنه قال ، في رواية علي بن سعيد : إذا مات رب المال ، لم يجز للعامل أن يبيع ولا يشتري إلا بإذن الورثة .

فظاهر هذا بقاء العامل على قراضه ، وهو منصوص الشافعي ; لأن هذا إتمام للقراض لا ابتداء له ، ولأن القراض إنما منع منه في العروض ; لأنه يحتاج عند المفاصلة إلى رد مثلها أو قيمتها ، ويختلف ذلك باختلاف الأوقات ، وهذا غير موجود هاهنا ; لأن رأس المال غير العروض ، وحكمه باق ، ألا ترى أن للعامل أن يبيعه ليسلم رأس المال ويقسم الباقي وذكر القاضي وجها آخر ، أنه لا يجوز ; لأن القراض قد بطل بالموت ، وهذا ابتداء قراض على عروض .

وهذا الوجه أقيس ; لأن المال لو كان ناضا كان ابتداء قراض ، وكانت حصة العامل من الربح شركة له يختص بها دون رب المال . وإن كان المال ناضا بخسارة أو تلف ، كان رأس المال الموجود منه حال ابتداء القراض ، فلو جوزنا ابتداء القراض هاهنا وبناءهما على القراض ، لصارت حصة العامل من الربح غير مختصة به ، وحصتها من الربح مشتركة بينهما ، وحسبت عليه العروض بأكثر من قيمتهما ، فيما إذا كان المال ناقصا ، وهذا لا يجوز في القراض بلا خلاف . وكلام أحمد يحمل على أنه يبيع ويشتري بإذن الورثة كبيعه وشرائه بعد انفساخ القراض .

فأما إن مات العامل أو جن ، وأراد ابتداء القراض مع وارثه أو وليه ، فإن كان ناضا ، جاز ، كما قلنا فيما إذا مات رب المال وإن كان عرضا ، لم يجز ابتداء القراض إلا على الوجه الذي يجوز ابتداء القراض على العروض ، بأن تقوم العروض ، ويجعل رأس المال قيمتها يوم العقد ; لأن الذي كان منه العمل قد مات ، أو جن ، وذهب عمله ، ولم يخلف أصلا يبني عليه وارثه ، بخلاف ما إذا مات رب المال ، فإن المال المقارض عليه موجود ، ومنافعه موجودة ، فأمكن استدامة العقد ، وبناء الوارث عليه .

وإن كان المال ناضا ، جاز ابتداء القراض فيه إذا اختار ذلك ، فإن لم يبتدئاه ، لم يكن للوارث شراء ولا بيع ; لأن رب المال إنما رضي باجتهاد مورثه ، فإذا لم يرض ببيعه ، رفعه إلى الحاكم ليبيعه . فأما إن كان الميت رب المال ، فليس للعامل الشراء ; لأن القراض انفسخ .

فأما البيع ، فإن الحكم فيه وفي التقويم واقتضاء الدين ، على ما ذكرناه إذا فسخت المضاربة ورب المال حي .

التالي السابق


الخدمات العلمية