صفحة جزء
( 3729 ) فصل : وإذا كان لرجلين دين لسبب واحد ; إما عقد أو ميراث أو استهلاك أو غيره ، فقبض أحدهما منه شيئا ، فللآخر مشاركته فيه . هذا ظاهر المذهب . وقد روي عن أحمد ما يدل على أن لأحدهما أن يأخذ حقه دون صاحبه ، ولا يشاركه الآخر فيما أخذه . وهو قول أبي العالية ، وأبي قلابة ، وابن سيرين ، وأبي عبيد قيل لأحمد : بعت أنا وصاحبي متاعا بيني وبينه ، فأعطاني حقي ، وقال : هذا حقك خاصة ، وأنا أعطي شريكك بعد . قال : لا يجوز . قيل له : فإن أخره أو أبرأه من حقه دون صاحبه ؟ قال : يجوز . قيل : فقد قال أبو عبيد : له أن يأخذ دون صاحبه إذا كان له أن يؤخر ، ويبرئه دون صاحبه ؟ ففكر فيها ، ثم قال : هذا يشبه الميراث إذا أخذ منه بعض الورثة دون بعض ، وقد قال ابن سيرين وأبو قلابة وأبو العالية : من أخذ شيئا فهو من نصيبه .

قال : فرأيته قد احتج له وأجازه . قال أبو بكر : العمل عندي على ما رواه حرب وحنبل ، أنه لا يجوز وهو الصحيح . وقد صرح به أحمد في أول هذه الرواية ، ولم يصرح بالرجوع عما قاله ; وذلك لأنه لا يجوز أن يكون نصيب القابض ما أخذه ، لما في ذلك من قسمة الدين في الذمة من غير رضى الشريك ، فيكون المأخوذ والباقي جميعا مشتركا ، ولغير القابض الرجوع على القابض بنصفه ، سواء كان باقيا في يده ، أو أخرجه عنها برهن أو قضاء دين أو غيره ، وله أن يرجع على الغريم ; لأن الحق يثبت في ذمته لهما على وجه سواء ، فليس له تسليم حق أحدهما إلى الآخر ، فإن أخذ من الغريم لم يرجع على الشريك بشيء ; لأن حقه يثبت في أحد المحلين ، فإذا اختار أحدهما سقط حقه من الآخر ، وليس للقابض منعه من الرجوع على الغريم ، بأن يقول : أنا أعطيك نصف ما قبضت .

بل الخيرة إليه من أيهما شاء قبض ، فإن قبض من شريكه شيئا ، رجع الشريك على الغريم بمثله ، وإن هلك المقبوض في يد القابض ، تعين حقه فيه ، ولم يضمنه للشريك ; لأنه قدر حقه فيما تعدى بالقبض ، وإنما كان لشريكه مشاركته لثبوته في الأصل مشتركا . وإن أبرأ أحد الشريكين من حقه ، برئ منه ; لأنه بمنزلة تلفه ، ولا يرجع عليه غريمه بشيء .

وإن أبرأ أحدهما من عشر الدين ، ثم قبضا من الدين شيئا ، اقتسماه على قدر حقهما في الباقي ; للمبرئ أربعة أتساعه ، ولشريكه خمسة أتساعه . وإن قبضا نصف الدين ، ثم أبرأ أحدهما من عشر الدين كله ، نفذت براءته في خمس الباقي ، وما بقي بينهما على ثمانية ; للمبرئ ثلاثة أثمانه ، وللآخر خمسة أثمانه ، فما قبضاه بعد ذلك اقتسماه على هذا . وإن اشترى أحدهما بنصيبه من الدين ثوبا ، فللآخر إبطال الشراء فإن بذل له المشتري نصف الثوب ، ولا يبطل البيع ، لم يلزمه ذلك . وإن أجاز البيع ليملك نصف الثوب ، انبنى على بيع الفضولي ، هل يقف على الإجازة أو لا ؟ وإن أخر أحدهما حقه من الدين ، جاز ; فإنه لو أسقط حقه جاز ، فتأخيره أولى .

فإن قبض الشريك بعد ذلك شيئا ، لم يكن لشريكه الرجوع عليه بشيء . ذكره القاضي . والأولى أن له الرجوع ; لأن الدين الحال لا يتأجل بالتأجيل ; فوجود التأجيل كعدمه . فأما إن قلنا بالرواية الأخرى ، وأن ما يقبضه أحدهما له دون صاحبه ، فوجهها أن ما في الذمة لا ينتقل إلى العين إلا بتسليمه إلى غريمه أو [ ص: 49 ] وكيله ، وما قبضه أحدهما فليس لشريكه فيه قبض ، ولا لوكيله ، فلا يثبت له فيه حق ، وكان لقابضه ; لثبوت يده عليه بحق ، فأشبه ما لو كان الدين بسببين .

وليس هذا قسمة الدين في الذمة ، وإنما تعين حقه بقبضه ، فأشبه تعيينه بالإبراء ، ولأنه لو كان لغير القابض حق في المقبوض ، لم يسقط بتلفه ، كسائر الحقوق ، ولأن هذا القبض لا يخلو إما أن يكون بحق أو بغير حق ، فإن كان بحق ، لم يشاركه غيره فيه ، كما لو كان الدين بسببين ، وإن كان بغير حق ، لم يكن له مطالبته ; لأن حقه في الذمة لا في العين ، فأشبه ما لو أخذ غاصب منه مالا ، فعلى هذا ما قبضه القابض يختص به دون شريكه ، وليس لشريكه الرجوع عليه . وإن اشترى بنصيبه ثوبا ، صح ، ولم يكن لشريكه إبطال الشراء .

وإن قبض أكثر من حقه بغير إذن شريكه ، لم يبرأ الغريم مما زاد على حقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية