صفحة جزء
( 3741 ) فصل : فأما حقوق الله تعالى فما كان منها حدا كحد الزنى والسرقة ، جاز التوكيل في استيفائه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : اغد يا أنيس إلى امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها . فغدا عليها أنيس ، فاعترفت ، فأمر بها فرجمت } . متفق عليه . { وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم ماعز ، فرجموه } . ووكل عثمان عليا في إقامة حد الشرب على الوليد بن عقبة . ووكل علي الحسن في ذلك ، فأبى الحسن ، فوكل عبد الله بن جعفر ، فأقامه ، وعلي يعد . رواه مسلم .

ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك ; لأن الإمام لا يمكنه تولي ذلك بنفسه . ويجوز التوكيل في إثباتها . وقال أبو الخطاب : لا يجوز في إثباتها . وهو قول الشافعي ; لأنها تسقط بالشبهات ، وقد أمرنا بدرئها بها ، والتوكيل يوصل إلى الإيجاب .

ولنا ، حديث أنيس ; { فإن النبي صلى الله عليه وسلم وكله في إثباته واستيفائه جميعا ، فإنه قال : فإن اعترفت فارجمها } . وهذا يدل على أنه لم يكن ثبت ، وقد وكله في إثباته واستيفائه جميعا . ولأن الحاكم إذا استناب ، دخل في ذلك الحدود ، فإذا دخلت في التوكيل بطريق العموم ، وجب أن تدخل بالتخصيص بها أولى ، والوكيل يقوم مقام الموكل في درئها بالشبهات .

وأما العبادات ، فما كان منها له تعلق بالمال ، كالزكاة والصدقات والمنذورات والكفارات ، جاز التوكيل في قبضها وتفريقها ، ويجوز للمخرج التوكيل في إخراجها ودفعها إلى مستحقها . ويجوز أن يقول لغيره : أخرج زكاة مالي من مالك ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم بعث عماله لقبض الصدقات وتفريقها ، وقال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم ، فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوك [ ص: 54 ] بذلك ، فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب } . متفق عليه .

ويجوز التوكيل في الحج إذا أيس المحجوج عنه من الحج بنفسه ، وكذلك العمرة . ويجوز أن يستناب من يحج عنه بعد الموت . وأما العبادات البدنية المحضة ، كالصلاة والصيام والطهارة من الحدث ، فلا يجوز التوكيل فيها ; لأنها تتعلق ببدن من هي عليه ، فلا يقوم غيره مقامه فيها ، إلا أن الصيام المنذور يفعل عن الميت ، وليس ذلك بتوكيل ; لأنه لم يوكل في ذلك ، ولا وكل فيه غيره . ولا يجوز في الصلاة إلا في ركعتي الطواف تبعا للحج . وفي فعل الصلاة المنذورة ، وفي الاعتكاف المنذور عن الميت روايتان .

ولا تجوز الاستنابة في الطهارة ، إلا في صب الماء ، وإيصال الماء للأعضاء ، وفي تطهير النجاسة عن البدن والثوب وغيرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية