صفحة جزء
( 3748 ) مسألة ; قال : ( وليس للوكيل أن يوكل فيما وكل فيه ، إلا أن يجعل ذلك إليه ) لا يخلو التوكيل من ثلاثة أحوال : أحدها ، أن ينهى الموكل وكيله عن التوكيل ، فلا يجوز له ذلك بغير خلاف ، لأن ما نهاه عنه غير داخل في إذنه . فلم يجز ، كما لو لم يوكله .

الثاني ، أذن له في التوكيل ، فيجوز له ذلك ; لأنه عقد أذن له فيه ، فكان له فعله ، كالتصرف المأذون فيه . ولا نعلم في هذين خلافا . وإن قال له : وكلتك فاصنع ما شئت . فله أن يوكل . وقال أصحاب الشافعي : ليس له التوكيل في أحد الوجهين ; لأن [ ص: 57 ] التوكيل يقتضي تصرفا يتولاه بنفسه ، وقوله : اصنع ما شئت . يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل من تصرفه بنفسه .

ولنا ، أن لفظه عام فيما شاء ، فيدخل في عمومه التوكيل . الثالث ، أطلق الوكالة ، فلا يخلو من أقسام ثلاثة ; أحدها ، أن يكون العمل مما يرتفع الوكيل عن مثله ، كالأعمال الدنية في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعلها في العادة ، أو يعجز عن عمله لكونه لا يحسنه ، أو غير ذلك ، فإنه يجوز له التوكيل فيه ; لأنه إذا كان مما لا يعمله الوكيل عادة ، انصرف الإذن إلى ما جرت به العادة من الاستنابة فيه . القسم الثاني ، أن يكون مما يعمله بنفسه ، إلا أنه يعجز عن عمله كله ; لكثرته وانتشاره ، فيجوز له التوكيل في عمله أيضا ; لأن الوكالة اقتضت جواز التوكيل ، فجاز التوكيل في فعل جميعه ، كما لو أذن في التوكيل بلفظه .

وقال القاضي : عندي أنه إنما له التوكيل فيما زاد على ما يتمكن من عمله بنفسه ; لأن التوكيل إنما جاز للحاجة ، فاختص ما دعت إليه الحاجة بخلاف وجود إذنه ، فإنه مطلق . ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين . القسم الثالث : ما عدا هذين القسمين ، وهو ما يمكنه عمله بنفسه ، ولا يترفع عنه ، فهل يجوز له التوكيل فيه ؟ على روايتين ; إحداهما ، لا يجوز . نقلها ابن منصور .

وهو مذهب أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، والشافعي ; لأنه لم يأذن له في التوكيل ، ولا تضمنه إذنه ، فلم يجز ، كما لو نهاه ، ولأنه استئمان فيما يمكنه النهوض فيه ، فلم يكن له أن يوليه لمن لم يأمنه عليه ، كالوديعة والأخرى ، يجوز . نقلها حنبل . وبه قال ابن أبي ليلى ، إذا مرض أو غاب ; لأن الوكيل له أن يتصرف بنفسه ، فملكه نيابة كالمالك . والأول أولى .

ولا يشبه الوكيل المالك ; فإن المالك يتصرف بنفسه في ملكه كيف شاء ، بخلاف الوكيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية