صفحة جزء
( 3764 ) فصل : وإذا كان على رجل دين وعنده وديعة ، فجاءه إنسان فادعى أنه وكيل صاحب الدين الوديعة في قبضهما ، وأقام بذلك بينة ، وجب الدفع إليه . وإن لم يقم بينة ، لم يلزمه دفعها إليه ، سواء صدقه في أنه وكيله أو كذبه . وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : إن صدقه ، لزمه وفاء الدين .

وفي دفع العين إليه روايتان ; أشهرهما ، لا يجب تسليمها . واحتج بأنه أقر له بحق الاستيفاء ، فلزمه ، إيفاؤها ، كما لو أقر له أنه وارثه . ولنا ، أنه تسليم لا يبرئه ، فلا يجب ، كما لو كان الحق عينا ، وكما لو أقر بأن هذا وصي الصغير . وفارق الإقرار بكونه وارثه ; لأنه يتضمن براءته ; فإنه أقر بأنه لا حق لسواه . فأما إن أنكر وكالته ، لم يستحلف . وقال أبو حنيفة : يستحلف . ومبنى الخلاف على الخلاف في وجوب الدفع مع التصديق ، فمن أوجب عليه الدفع مع التصديق ، ألزمه اليمين عند التكذيب ، كسائر الحقوق ، ومن لم يوجب عليه الدفع مع التصديق ، قال : لا يلزمه اليمين عند التكذيب ; لعدم فائدتها .

فإن دفع إليه مع التصديق أو مع عدمه ، فحضر الموكل ، وصدق الوكيل ، برئ الدافع ، وإن كذبه ، فالقول قوله مع يمينه ، فإذا حلف ، وكان الحق عينا قائمة في يد الوكيل ، فله أخذها ، وله مطالبة من شاء بردها ; لأن الدافع دفعها إلى غير مستحقها ، والوكيل عين ماله في يده . فإن طالب الدافع ، [ ص: 67 ] فللدافع مطالبة الوكيل بها ، وأخذها من يده ، ليسلمها إلى صاحبها .

وإن تلفت العين ، أو تعذر ردها ، فلصاحبها الرجوع ببدلها على من شاء منهما ; لأن الدافع ضمنها بالدفع ، والمدفوع إليه قبض ما لا يستحق قبضه . وأيهما ضمن لم يرجع على الآخر ; لأن كل واحد منهما يدعي أن ما يأخذه المالك ظلم ، ويقر بأنه لم يوجد من صاحبه تعد ، فلا يرجع على صاحبه بظلم غيره إلا أن يكون الدافع دفعها إلى الوكيل من غير تصديقه فيما ادعاه من الوكالة . فإن ضمن رجع على الوكيل ; لكونه لم يقر بوكالته ، ولا ثبتت ببينة .

وإن ضمن الوكيل ، لم يرجع عليه . وإن صدقه لكن الوكيل تعدى فيها أو فرط ، استقر الضمان عليه . فإن ضمن ، لم يرجع على أحد ، وإن ضمن الدافع ، رجع عليه ; لأنه وإن كان يقر أنه قبضه قبضا صحيحا ، لكن لزمه الضمان بتفريطه وتعديه ، فالدافع يقول : ظلمني المالك بالرجوع علي . وله على الوكيل حق يعترف به الوكيل ، فبأخذه يستوفي حقه منه . فأما إن كان المدفوع دينا ، لم يرجع إلا على الدافع وحده ; لأن حقه في ذمة الدافع لم يبرأ منه بتسليمه إلى غير وكيل صاحب الحق ، والذي أخذه الوكيل عين مال الدافع في زعم صاحب الحق ، والوكيل والدافع يزعمان أنه صار ملكا لصاحب الحق ، وأنه ظالم للدافع بالأخذ منه ، فيرجع الدافع فيما أخذ منه الوكيل ، ويكون قصاصا مما أخذ منه صاحب الحق .

وإن كان قد تلف في يد الوكيل ، لم يرجع عليه بشيء ; لأنه مقر بأنه أمين لا ضمان عليه ، إلا أن يتلف بتعديه وتفريطه ، فيرجع عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية