صفحة جزء
( 3822 ) فصل : فأما استثناء بعض ما دخل في المستثنى منه ، فجائز بغير خلاف علمناه ; فإن ذلك في كلام العرب ، وقد جاء في الكتاب والسنة ، قال الله تعالى : { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } . وقال : { فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس . } وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الشهيد : { يكفر عنه خطاياه كلها إلا الدين . } وهذا في الكتاب والسنة كثير ، وفي سائر كلام العرب .

فإذا أقر بشيء ، واستثنى منه ، كان مقرا بالباقي بعد الاستثناء ، فإذا قال : له علي مائة إلا عشرة . كان مقرا بتسعين ; لأن الاستثناء يمنع أن يدخل في اللفظ ما لولاه لدخل ، فإنه لو دخل لما أمكن إخراجه ، ولو أقر بالعشرة المستثناة لما قبل منه إنكارها . وقول الله تعالى : { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } . إخبار بتسعمائة وخمسين ، فالاستثناء بين أن الخمسين المستثناة غير مرادة ، كما أن التخصيص يبين أن المخصوص غير مراد باللفظ العام ، وإن قال : هذه الدار لزيد إلا هذا البيت . كان مقرا بما سوى البيت منها .

وكذلك إن قال : إلا ثلثها ، أو ربعها . صح ، وكان مقرا بالباقي بعد المستثنى . وكذلك إن قال : هذه الدار له ، وهذا البيت لي . صح أيضا ; لأنه في معنى الاستثناء ، لكونه أخرج بعض ما دخل في اللفظ الأول بكلام متصل . وإن قال : له هؤلاء العبيد إلا هذا . صح ، وكان مقرا بمن سواه منهم . وإن قال : إلا واحدا . صح ; لأن الإقرار يصح مجهولا ، فكذلك الاستثناء منه ، ويرجع في تعيين المستثنى إليه ، لأن [ ص: 92 ] الحكم يتعلق بقوله ، وهو أعلم بمراده به . وإن عين من عدا المستثنى ، صح ، وكان الباقي له . فإن هلك العبيد إلا واحدا ، فذكر أنه المستثنى ، قبل . ذكره القاضي . وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي . وقال أبو الخطاب لا يقبل ، في أحد الوجهين .

وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي ; لأنه يرفع به الإقرار كله . والصحيح أنه يقبل ; لأنه يقبل تفسيره به في حياتهم لمعنى هو موجود بعد موتهم ، فقبل كحالة حياتهم ، وليس هذا رفعا للإقرار ، وإنما تعذر تسليم المقر به لتلفه ، لا لمعنى يرجع إلى التفسير ، فأشبه ما لو عينه في حياتهم ، فتلف بعد تعيينه . وإن قتل الجميع إلا واحدا ، قبل تفسيره بالباقي ، وجها واحدا . وإن قتل الجميع ، فله قيمة أحدهم ، ويرجع في التفسير إليه .

وإن قال : غصبتك هؤلاء العبيد إلا واحدا . فهلكوا إلا واحدا ; قبل تفسيره به ، وجها واحدا ; لأن المقر له يستحق قيمة الهالكين ، فلا يفضي التفسير بالباقي إلى سقوط الإقرار ، بخلاف التي قبلها فصل ( 3823 ) : وحكم الاستثناء بسائر أدواته حكم الاستثناء بإلا ، فإذا قال : له علي عشرة سوى درهم ، أو ليس درهما ، أو خلا درهما ، أو عدا درهما ، أو ما خلا أو ما عدا درهما ، أو لا يكون درهما أو غير درهم . بفتح الراء ، كان مقرا بتسعة . وإن قال : غير درهم ، بضم رائها ، وهو من أهل العربية ، كان مقرا بعشرة ، لأنها تكون صفة للعشرة المقر بها ، ولا يكون استثناء . فإنها لو كانت استثناء كانت منصوبة ، وإن لم يكن من أهل العربية ، لزمه تسعة ; لأن الظاهر أنه إنما يريد الاستثناء لكنه رفعها جهلا منه بالعربية ، لا قصدا للصفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية