صفحة جزء
( 3863 ) فصل في الإقرار بالمجهول : وإذا قال : لفلان علي شيء . أو كذا . صح إقراره ، ولزمه تفسيره . وهذا لا خلاف فيه ، ويفارق الدعوى ، حيث [ ص: 109 ] لا تصح مجهولة ; لكون الدعوى له والإقرار عليه ، فلزمه ما عليه مع الجهالة دون ماله ، ولأن المدعي إذا لم يصحح دعواه ، فله داع إلى تحريرها ، والمقر لا داعي له إلا التحرير ، ولا يؤمن رجوعه عن إقراره ، فيضيع حق المقر له ، فألزمناه إياه مع الجهالة ، فإن امتنع من تفسيره ، حبس حتى يفسر .

وقال القاضي : يجعل ناكلا ، ويؤمر المقر له بالبيان ، فإن بين شيئا ، فصدقه المقر ، ثبت ، وإن كذبه ، وامتنع من البيان ، قيل له : إن بينت ، وإلا جعلناك ناكلا ، وقضينا عليك . وهذا قول أصحاب الشافعي ، إلا أنهم قالوا : إن بينت وإلا حلفنا المقر له على ما يدعيه ، وأوجبناه عليك . فإن فعل ، وإلا أحلفنا المقر له ، وأوجبناه على المقر .

ووجه الأول ، أنه ممتنع من حق عليه ، فيحبس به ، كما لو عينه وامتنع من أدائه . ومع ذلك متى عينه المدعي وادعاه ، فنكل المقر ، فهو على ما ذكروه . وإن مات من عليه الحق ، أخذ ورثته بمثل ذلك ; لأن الحق ثبت على موروثهم ، فيتعلق بتركته وقد صارت إلى الورثة ، فيلزمهم ما لزم موروثهم ، كما لو كان الحق معينا . وإن لم يخلف الميت تركة ، فلا شيء على الورثة . ومتى فسر إقراره بما يتمول في العادة ، قبل تفسيره وثبت ، إلا أن يكذبه المقر له ، ويدعي جنسا آخر ، أو لا يدعي شيئا ، فيبطل إقراره . وإن فسره بما لا يتمول عادة ، كقشرة جوزة ، أو قشرة باذنجانة ، لم يقبل إقراره ; لأن إقراره اعتراف بحق عليه ثابت في ذمته ، وهذا لا يثبت في الذمة .

وكذلك إن فسره بما ليس بمال في الشرع ، كالخمر والخنزير والميتة ، لم يقبل . وإن فسره بكلب لا يجوز اقتناؤه ، فكذلك . وإن فسره بكلب يجوز اقتناؤه ، أو جلد ميتة غير مدبوغ ، ففيه وجهان ; أحدهما ، يقبل ; لأنه شيء يجب رده عليه ، وتسليمه إليه ، فالإيجاب يتناوله . والثاني ، لا يقبل ; لأن الإقرار إخبار عما يجب ضمانه ، وهذا لا يجب ضمانه . وإن فسره بحبة حنطة أو شعير ونحوها ، لم يقبل ; لأن هذا لا يتمول عادة على انفراده .

وإن فسره بحد قذف ، قبل ; لأنه حق يجب عليه . ويحتمل أن لا يقبل ; لأنه لا يئول إلى مال . والأول أصح ; لأن ما ثبت في الذمة صح أن يقال : هو علي . وإن فسره بحق شفعة ، قبل ; لأنه حق واجب ، ويئول إلى المال . وإن فسره برد السلام ، أو تشميت العاطس ونحوه ، لم يقبل ; لأنه يسقط بفواته ، فلا يثبت في الذمة .

وهذا الإقرار يدل على ثبوت الحق في الذمة . ويحتمل أن يقبل تفسيره به ، إذا أراد أن حقا علي رد سلامه إذا سلم ، وتشميته إذا عطس ; لما روي في الخبر : { للمسلم على المسلم ثلاثون حقا : يرد سلامه ، ويشمت عطسته ، ويجيب دعوته . وذكر الحديث } .

وإن قال : غصبته شيئا . وفسره بما ليس بمال ، قبل ; لأن اسم الغصب يقع عليه . وإن قال : غصبته نفسه . لم يقبل ; لأن الغصب لا يثبت عليه . وهذا الفصل أكثره مذهب الشافعي . وحكي عن أبي حنيفة ، أنه لا يقبل تفسير إقراره بغير المكيل والموزون ; لأن غيرهما لا يثبت في الذمة بنفسه .

ولنا ، أنه مملوك يدخل تحت العقد ، فجاز أن يفسر به الشيء في الإقرار ، كالمكيل والموزون ، ولأنه يثبت في الذمة في الجملة ، فصح التفسير كالمكيل ، ولا عبرة بسبب ثبوته في الإقرار به ، والإخبار عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية