صفحة جزء
( 3875 ) فصل : وإذا قال : بعتك جاريتي هذه . قال : بل زوجتنيها . فلا يخلو ; إما أن يكون اختلافهما قبل نقد الثمن أو بعده ، وقبل الاستيلاد أو بعده ، فإن كان بعد اعتراف البائع بقبض الثمن ، فهو مقر بها لمدعي الزوجية ; لأنه يدعي عليه شيئا ، والزوج ينكر أنها ملكه ، ويدعي حلها له بالزوجية ، فيثبت الحل ; لاتفاقهما عليه ، ولا ترد إلى البائع لاتفاقهما على أنه لا يستحق أخذها .

وإن كان قبل قبض الثمن وبعد الاستيلاد ، فالبائع يقر أنها صارت أم ولد ، وولدها حر ، وأنه لا مهر له ، ويدعي الثمن ، والمشتري ينكر ذلك كله ، فيحكم بحرية الولد ; لإقرار من ينسب إليه ملكه بحريته ، ولا ولاء عليه ; لاعترافه بأنه حر الأصل ، ولا ترد الأمة إلى البائع ; لإقراره بأنها أم ولد ، ولا يجوز نقل الملك فيها ، ويحلف المشتري أنه ما اشتراها ، ويسقط عنه ثمنها إلا قدر المهر ; فإنه يجب لاتفاقهما على وجوبه ، وإن اختلفا في سببه . وهذا قول بعض أصحاب الشافعي .

وقال بعضهم : يتحالفان ، ولا يجب مهر ولا ثمن . وهو قول القاضي ، إلا أنه لا يجعل على البائع يمينا ; لأنه لا يرى اليمين في إنكار النكاح ، ونفقة الولد على أبيه ; لأنه حر ، ونفقة الأمة على زوجها ; لأنه إما زوج وإما سيد ، وكلاهما سبب لوجوب النفقة .

وقال القاضي : نفقتها في كسبها ، فإن كان فيه فضل فهي موقوفة ; لأننا أزلنا عنها ملك السيد ، وأثبتنا لها حكم الاستيلاد . فإن ماتت وتركت مالا ، فللبائع قدر ثمنها ; لأنه إما أن يكون صادقا فهو يستحق على المشتري ثمنها ، وتركتها للمشتري ، والمشتري مقر للبائع بها ، فيأخذ منها قدر ما يدعيه . وإن كان كاذبا ، فهي ملكه ، وتركتها كلها [ ص: 114 ] له ، فيأخذ منها قدر ما يدعيه ، وبقيته موقوفة .

وإن ماتت بعد الوطء ، فقد ماتت حرة ، فميراثها لولدها وورثتها ، فإن لم يكن لها وارث ، فميراثها موقوف ; لأن أحدا لا يدعيه ، وليس للسيد أن يأخذ منه قدر الثمن ; لأنه يدعي الثمن على الواطئ ، وليس ميراثها له ; لأنه قد مات قبلها . وإن كان اختلافهما قبل الاستيلاد ، فعندي أنها تقر في يد الزوج ; لاتفاقهما على حلها له ، واستحقاقه إمساكها ، وإنما اختلفا في السبب . ولا ترد إلى السيد ; لاتفاقهما على تحريمها عليه .

وللبائع أقل الأمرين من الثمن أو المهر ; لاتفاقهما على استحقاقه لذلك . والأمر في الباطن على ذلك ; فإن السيد إن كان صادقا ، فالأمة حلال لزوجها بالبيع . وإن كان كاذبا ، فهي حلال له بالزوجية . والقدر الذي اتفقا عليه ، إن كان السيد صادقا ، فهو يستحقه ثمنا ، وإن كان كاذبا ، فهو يستحقه مهرا .

وقال القاضي : يحلف الزوج أنه ما اشتراها ; لأنه منكر ، ويسقط عنه الثمن ، ولا يحتاج السيد إلى اليمين على نفي الزوجية ; لأنه لا يستحلف فيه . وعند الشافعي : يتحالفان معا ، ويسقط الثمن عن الزوج ; لأن عقد البيع ما ثبت ، ولا يجب المهر ; لأن السيد لا يدعيه ، وترد الجارية إلى سيدها ، وفي كيفية رجوعها وجهان ; أحدهما ، ترجع إليه ، فيملكها ظاهرا وباطنا ، كما يرجع البائع في السلعة عند فلس المشتري بالثمن ; لأن الثمن هاهنا قد تعذر ، فيحتاج السيد أن يقول : فسخت البيع . وتعود إليه ملكا .

والثاني ، ترجع إليه في الظاهر دون الباطن ; لأن المشتري امتنع من أداء الثمن مع إمكانه . فعلى هذا يبيعها الحاكم ويوفيه ثمنها ، فإن كان وفق حقه ، فحسن . وإن كان دونه ، أخذه ، وإن زاد ، فالزيادة لا يدعيها أحد ; لأن المشتري يقر بها للبائع ، والبائع لا يدعي أكثر من الثمن الأول ، فهل تقر في يد المشتري ، أو ترجع إلى بيت المال ؟ يحتمل وجهين . فإن رجع البائع ، وقال : صدق خصمي ، ما بعته إياها ، بل زوجته . لم يقبل في إسقاط حرية الولد ، ولا في استرجاعها إن صارت أم ولد ، وقبل في إسقاط الثمن ، واستحقاق المهر ، وأخذ زيادة الثمن ، واستحقاق ميراثها وميراث ولدها .

وإن رجع الزوج ، ثبتت الحرية ، ووجب عليه الثمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية