صفحة جزء
( 403 ) مسألة : قال أبو القاسم ، رحمه الله : ( ومن لبس خفيه ، وهو كامل الطهارة ، ثم أحدث ، مسح عليهما ) . لا نعلم في اشتراط تقدم الطهارة لجواز المسح خلافا . ووجهه : ما روى المغيرة ، قال : { كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فأهويت لأنزع خفيه ، فقال : دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما . } متفق عليه . فأما إن غسل [ ص: 175 ] إحدى رجليه ، فأدخلها الخف ، ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف ، لم يجز المسح أيضا . وهو قول الشافعي وإسحاق ، ونحوه عن مالك .

وحكى بعض أصحابنا رواية أخرى عن أحمد ، أنه يجوز المسح . رواها أبو طالب عنه ، وهو قول يحيى بن آدم وأبي ثور ، وأصحاب الرأي ; لأنه أحدث بعد كمال الطهارة واللبس ، فجاز المسح ، كما لو نزع الخف الأول ثم عاد فلبسه ، وقيل أيضا ، فيمن غسل رجليه ، ولبس خفيه ، ثم غسل بقية أعضائه : يجوز له المسح . وذلك مبني على أن الترتيب غير واجب في الوضوء ، وقد سبق . ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { دعهما ، فإني أدخلتهما طاهرتين } . وفي لفظ لأبي داود : { دع الخفين ، فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان }

. فجعل العلة وجود الطهارة فيهما جميعا وقت إدخالهما ، ولم توجد طهارتهما وقت لبس الأول ; ولأن ما اعتبرت له الطهارة اعتبر له كمالها ; كالصلاة ومس المصحف ; ولأن الأول خف ملبوس قبل رفع الحدث ، فلم يجز المسح عليه ، كما لو لبسه قبل غسل قدميه ، ودليل بقاء الحدث أنه لا يجوز له مس المصحف بالعضو المغسول ، فأما إذا نزع الخف الأول ، ثم لبسه ، فقد لبسه بعد كمال الطهارة .

وقول الخرقي : " ثم أحدث " يعني الحدث الأصغر ; فإن جواز المسح مختص به ، ولا يجزئ المسح في جنابة ، ولا غسل واجب ، ولا مستحب ، لا نعلم في هذا خلافا . وقد روى صفوان بن عسال المرادي ، قال { : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين ، أو سفرا ، أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن ، إلا من جنابة ، لكن من غائط وبول ونوم . } رواه الترمذي . وقال : حديث صحيح

ولأن وجوب الغسل يندر ، فلا يشق إيجاب غسل القدم ، بخلاف الطهارة الصغرى ، ولذلك وجب غسل ما تحت الشعور الكثيفة ، وهكذا الحكم في العمامة ، وسائر الحوائل ، إلا الجبيرة وما في معناها .

التالي السابق


الخدمات العلمية