صفحة جزء
( 3933 ) مسألة ; قال : ( ومن غصب أرضا ، فغرسها ، أخذ بقلع غرسه وأجرتها إلى وقت تسليمها ، ومقدار نقصانها ، إن كان نقصها الغرس ) . الكلام في هذه المسألة في فصول : ( 3934 ) أحدها ، أنه يتصور غصب العقار من الأراضي والدور ، ويجب ضمانها على غاصبها . هذا ظاهر مذهب أحمد وهو المنصوص عن أصحابه ، وبه قال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن .

وروى ابن منصور ، [ ص: 141 ] عن أحمد في من غصب أرضا فزرعها ، ثم أصابها غرق من الغاصب ، غرم قيمة الأرض ، وإن كان شيئا من السماء ، لم يكن عليه شيء . وظاهر هذا أنها لا تضمن بالغصب . وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا يتصور غصبها ، ولا تضمن بالغصب ، وإن أتلفها ، ضمنها بالإتلاف ; لأنه لا يوجد فيها النقل والتحويل ، فلم يضمنها ، كما لو حال بينه وبين متاعه ، فتلف المتاع ; لأن الغصب إثبات اليد على المال عدوانا على وجه تزول به يد المالك ، ولا يمكن ذلك في العقار .

ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { من ظلم قيد شبر من الأرض ، طوقه يوم القيامة من سبع أرضين } . رواه البخاري عن عائشة . وفي لفظ : { من غصب شبرا من الأرض } . فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يغصب ويظلم فيه . ولأن ما ضمن في البيع ، وجب ضمانه في الغصب ، كالمنقول ، ولأنه يمكن الاستيلاء عليه على وجه يحول بينه وبين مالكه ، مثل أن يسكن الدار ويمنع مالكها من دخولها ، فأشبه ما لو أخذ الدابة والمتاع . وأما إذا حال بينه وبين متاعه ، فما استولى على ماله ، فنظيره هاهنا أن يحبس المالك ، ولا يستولي على داره .

وأما ما تلف من الأرض بفعله ، أو سبب فعله ، كهدم حيطانها ، وتغريقها ، وكشط ترابها ، وإلقاء الحجارة فيها ، أو نقص يحصل بغرسه أو بنائه ، فيضمنه بغير اختلاف في المذهب ، ولا بين العلماء ; لأن هذا إتلاف ، والعقار يضمن بالإتلاف من غير اختلاف . ولا يحصل الغصب من غير استيلاء ، فلو دخل أرض إنسان أو داره ، لم يضمنها بدخوله ، سواء دخلها بإذنه أو غير إذنه ، وسواء كان صاحبها فيها أو لم يكن .

وقال بعض أصحاب الشافعي : إن دخلها بغير إذنه ، ولم يكن صاحبها فيها ، ضمنها ، سواء قصد ذلك ، أو ظن أنها داره ، أو دار أذن له في دخولها ; لأن يد الداخل ثبتت عليها بذلك ، فيصير غاصبا ، فإن الغصب إثبات اليد العادية ، وهذا قد ثبتت يده ، بدليل أنهما لو تنازعا في الدار ولا بينة لهما ، حكم بها لمن هو فيها ، دون الخارج منها .

ولنا ، أنه غير مستول عليها ، فلم يضمنها ، كما لو دخلها بإذنه ، أو دخل صحراءه ، ولأنه إنما يضمن بالغصب ما يضمنه في العارية ، وهذا لا تثبت به العارية ، ولا يجب به الضمان فيها ، فكذلك لا يثبت به الغصب ، إذا كان بغير إذن .

التالي السابق


الخدمات العلمية