صفحة جزء
( 3942 ) فصل : وقدر الأرش قدر نقص القيمة في جميع الأعيان . وبهذا قال الشافعي وعن أحمد رواية أخرى ، أن عين الدابة تضمن بربع قيمتها .

فإنه قال ، في رواية أبي الحارث ، في رجل فقأ عين دابة لرجل : عليه ربع قيمتها . قيل له : فقأ العينين ؟ فقال : إذا كانت واحدة ، فقال عمر ربع القيمة ، وأما العينان فما سمعت فيهما شيئا . قيل له : فإن كان بعيرا أو بقرة أو شاة ؟ فقال : هذا غير الدابة ، هذا ينتفع بلحمه ، ينظر ما نقصها . وهذا يدل على أن أحمد إنما أوجب مقدارا في العين الواحدة من الدابة ، وهي الفرس والبغل والحمار خاصة للأثر الوارد فيه ، وما عدا هذا يرجع إلى القياس .

واحتج أصحابنا لهذه الرواية ، بما روى زيد بن ثابت ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في عين الدابة بربع قيمتها } . وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى شريح لما كتب إليه يسأله عن عين الدابة : إنا كنا ننزلها منزلة الآدمي ، إلا أنه أجمع رأينا أن قيمتها ربع الثمن . وهذا إجماع يقدم على القياس . ذكر هذين أبو الخطاب في " رءوس المسائل " .

وقال أبو حنيفة إذا قلع عين بهيمة ينتفع بها من وجهتين ، كالدابة والبعير والبقرة ، وجب نصف قيمتها ، وفي إحداهما ربع قيمتها ; لقول عمر رضي الله عنه [ ص: 145 ] أجمع رأينا على أن قيمتها ربع الثمن . وروي عن أحمد في العبد ، أنه يضمن في الغصب بما يضمن به في الجناية ; ففي يده نصف قيمته ، وفي موضحته نصف عشر قيمته ، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي ; لأنه ضمان لأبعاض العبد ، فكان مقدرا من قيمته ، كأرش الجناية .

ولنا ، أنه ضمان مال من غير جناية ، فكان الواجب ما نقص ، كالثوب ، وذلك لأن القصد بالضمان جبر حق المالك بإيجاب قدر المفوت عليه ، وقدر النقص هو الجابر ، ولأنه لو فات الجميع لوجبت قيمته ، فإذا فات منه شيء وجب قدره من القيمة ، كغير الحيوان . وأما حديث زيد بن ثابت ، فلا أصل له ، ولو كان صحيحا لما احتج أحمد وغيره بحديث عمر وتركوه ، فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن يحتج به ، وأما قول عمر فمحمول على أن ذلك كان قدر نقصها ، كما روي عنه أنه قضى في العين القائمة بخمسين دينارا ، ولو كان تقديرا ، لوجب في العين نصف القيمة ، كعين الآدمي .

وأما ضمان الجناية على أطراف العبد ، فمعدول به عن القياس ، للإلحاق بالجناية على الحر ، والواجب هاهنا ضمان اليد ، ولا تثبت اليد على الحر ، فوجب البقاء فيه على موجب الأصل ، وإلحاقه بسائر الأموال المغصوبة . وقول أبي حنيفة إن هذا في بهيمة الأنعام والدابة . لا يصح ; لأن هذا القول مبني على قول عمر وقول عمر إنما هو في الدابة ، والدابة في العرف ما يعد للركوب دون بهيمة الأنعام .

التالي السابق


الخدمات العلمية