صفحة جزء
( 3984 ) فصل : وإن غصب شيئا ، فشغله بملكه ، كخيط خاط به ثوبا ، أو نحوه ، أو حجرا بنى عليه ، نظرنا ; فإن بلي الخيط ، أو انكسر الحجر ، أو كان مكانه خشبة فتلفت ، لم يأخذ برده ، ووجبت قيمته ; لأنه صار هالكا ، فوجبت قيمته . وإن كان باقيا بحاله ، لزمه رده ، وإن انتقض البناء ، وتفصل الثوب .

وبهذا قال مالك والشافعي . وقال أبو حنيفة : لا يجب رد الخشبة والحجر ; لأنه صار تابعا لملكه يستضر بقلعه ، فلم يلزم رده ، كما لو غصب خيطا فخاط به جرح عبده . ولنا ، أنه مغصوب أمكن رده ، ويحوز له فوجب ، كما لو بعد العين ، ولا يشبه الخيط الذي يخاف على العبد من قلعه ; لأنه لا يجوز له رده ، لما في ضمنه من تلف الآدمي .

ولأن حاجته إلى ذلك تبيح أخذه ابتداء ، بخلاف البناء ، وإن خاط بالخيط جرح حيوان ، فذلك على أقسام ثلاثة ; أحدها ، أن يخيط به جرح حيوان لا حرمة له ، كالمرتد والخنزير والكلب العقور ، فيجب نزعه ورده ; لأنه لا يتضمن تفويت ذي حرمة ، فأشبه ما لو خاط به ثوبا . [ ص: 164 ] والثاني ، أن يخيط به جرح حيوان محترم ، لا يحل أكله ، كالآدمي ، فإن خيف من نزعه الهلاك أو إبطاء برئه ، فلا يجب نزعه ; لأن الحيوان آكد حرمة من عين المال ، ولهذا يجوز له أخذ مال غيره ليحفظ حياته ، وإتلاف المال لتبقيته وهو ما يأكله . وكذلك الدواب التي لا يؤكل لحمها ، كالبغل والحمار الأهلي .

الثالث ، أن يخيط به جرح حيوان مأكول ، فإن كان ملكا لغير الغاصب ، وخيف تلفه بقلعه ، لم يقلع ; لأن فيه إضرارا بصاحبه ، ولا يزال الضرر بالضرر ، ولا يجب إتلاف مال من لم يجن صيانة لمال آخر ، وإن كان الحيوان للغاصب ، فقال القاضي : لا يجب رده ; لأنه يمكن ذبح الحيوان والانتفاع بلحمه ، وذلك جائز ، وإن حصل فيه نقص على الغاصب ، فليس ذلك بمانع من وجوب رد المغصوب ، كنقص البناء لرد الحجر المغصوب .

وقال أبو الخطاب : فيه وجهان ; أحدهما ، هذا . والثاني ، لا يجب قلعه ; لأن للحيوان حرمة في نفسه ، وقد { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذبح الحيوان لغير مأكله . } ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين . ويحتمل أن يفرق بين ما يعد للأكل من الحيوان ، كبهيمة الأنعام والدجاج وأكثر الطير ، وبين ما لا يعد له ، كالخيل والطير المقصود صوته ; فالأول يجب ذبحه إذا توقف رد المغصوب عليه . والثاني ، لا يجب ; لأن ذبحه إتلاف له ، فجرى مجرى ما لا يؤكل لحمه .

ومتى أمكن رد الخيط من غير تلف الحيوان ، أو تلف بعض أعضائه ، أو ضرر كثير ، وجب رده .

التالي السابق


الخدمات العلمية