صفحة جزء
( 3989 ) فصل : وإذا غصب شيئا ، فخلطه بما يمكن تمييزه منه ، كحنطة بشعير أو سمسم ، أو صغار الحب بكباره ، أو زبيب أسود بأحمر ، لزمه تمييزه ، ورده ، وأجر المميز عليه ، وإن لم يمكن تمييز جميعه ، وجب تمييزه ما أمكن ، وإن لم يمكن تمييزه ، فهو على خمسة أضرب ; أحدها ، أن يخلطه بمثله من جنسه ، كزيت بزيت ، أو حنطة بمثلها ، أو دقيق بمثله ، أو دنانير أو دراهم بمثلها ، فقال ابن حامد : يلزمه مثل المغصوب منه .

وهو ظاهر كلام أحمد ; لأنه نص على أنه يكون شريكا به إذا خلطه بغير الجنس ، فيكون تنبيها على ما إذا خلطه بجنسه . وهذا قول بعض أصحاب الشافعي ، إلا في الدقيق ، فإنه تجب قيمته ; لأنه عندهم ليس بمثلي . وقال القاضي : قياس المذهب أنه يلزمه مثله ، إن شاء منه ، وإن شاء من غيره ; لأنه تعذر عليه رد عين ماله بالخلط ، فأشبه ما لو تلف ; لأنه لا يتميز له شيء من ماله .

ولنا ، أنه قدر على دفع بعض ماله إليه ، مع رد المثل في الباقي ، فلم ينتقل إلى المثل في الجميع ، كما لو غصب صانعا ، فتلف نصفه ، وذلك لأنه إذا دفع إليه منه ، فقد دفع إليه بعض ماله وبدل الباقي ، فكان أولى من دفعه من غيره .

الضرب الثاني والثالث والرابع ، أن يخلطه بخير منه ، أو دونه ، أو بغير جنسه ، فظاهر كلام أحمد أنهما شريكان ، يباع الجميع ، ويدفع إلى كل واحد منهما قدر حقه ; لأنه قال في رواية أبي الحارث ، في رجل له رطل زيت ، وآخر له رطل شيرج اختلطا : يباع الدهن كله ، ويعطى كل واحد منهما قدر حصته ; وذلك لأننا إذا فعلنا ذلك ، أوصلنا إلى كل واحد منهما عين ماله ، وإذا أمكن الرجوع إلى عين المال ، لم يرجع إلى البدل .

وإن نقص المغصوب عن قيمته منفردا ، فعلى الغاصب ضمان النقص ; لأنه حصل بفعله . وقال القاضي : قياس المذهب أنه يلزم الغاصب مثله ; لأنه صار بالخلط مستهلكا ، وكذلك لو اشترى زيتا فخلطه بزيته ، ثم أفلس ، صار البائع كبعض الغرماء ، ولأنه تعذر عليه الوصول إلى عين ماله ، فكان له بدله ، كما لو كان تالفا . ويحتمل أن يحمل كلام أحمد على ما إذا اختلطا من غير غصب ، فأما المغصوب ، فقد وجد من الغاصب ما منع المالك من أخذ [ ص: 167 ] حقه من المثليات مميزا ، فلزمه مثله ، كما لو أتلفه ، إلا بأن خلطه بخير منه ، وبذل لصاحبه مثل حقه منه ، لزمه قبوله ; لأنه أوصل إليه بعض حقه بعينه وتبرع بالزيادة في مثل الباقي .

وإن خلطه بأدون منه ، فرضي المالك بأخذ قدر حقه منه ، لزم الغاصب بذله ; لأنه أمكنه رد بعض المغصوب ورد مثل الباقي من غير ضرر . وقيل : لا يلزم الغاصب ذلك ; لأن حقه انتقل إلى الذمة ، فلم يجبر على غير مال ، وإن بذله للمغصوب منه فأباه ، لم يجبر على قبوله ; لأنه دون حقه . وإن تراضيا بذلك ، جاز ، وكان المالك متبرعا بترك بعض حقه .

وإن اتفقا على أن يأخذ أكثر من حقه من الرديء ، أو دون حقه من الجيد ، لم يجز ; لأنه ربا ; لأنه يأخذ الزائد في القدر عوضا عن الجودة . وإن كان بالعكس ، فرضي بأخذ دون حقه من الرديء ، أو سمح الغاصب فدفع أكثر من حقه من الجيد ، جاز ; لأنه لا مقابل للزيادة ، وإنما هي تبرع مجرد .

وإن خلطه بغير جنسه ، فتراضيا على أن يأخذ أكثر من قدر حقه أو أقل ، جاز ; لأنه بدله من غير جنسه ، فلا تحرم الزيادة بينهما . الضرب الخامس ، أن يخلطه بما لا قيمة له ، كزيت خلطه بماء ، أو لبن شابه بماء ، فإن أمكن تخليصه خلصه ورد نقصه ، وإن لم يمكن تخليصه ، أو كان ذلك يفسده . رجع عليه بمثله ; لأنه صار كالهالك ، وإن لم يفسده . رده ورد نقصه . وإن احتيج في تخليصه إلى غرامة ، لزم الغاصب ذلك ; لأنه بسببه .

ولأصحاب الشافعي في هذا الفصل نحو ما ذكرنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية