صفحة جزء
( 3997 ) مسألة ; قال : ( من أتلف لذمي خمرا أو خنزيرا ، فلا غرم عليه ، وينهى عن التعرض لهم فيما لا يظهرونه ) وجملة ذلك أنه لا يجب ضمان الخمر والخنزير ، سواء كان متلفه مسلما أو ذميا لمسلم أو ذمي نص عليه أحمد ، في رواية أبي الحارث ، في الرجل يهريق مسكرا لمسلم ، أو لذمي خمرا ، فلا ضمان عليه . وبهذا قال الشافعي .

وقال أبو حنيفة ، ومالك : يجب ضمانهما إذا أتلفهما على ذمي . قال أبو حنيفة : إن كان مسلما بالقيمة ، وإن كان ذميا بالمثل ; لأن عقد الذمة إذا عصم عينا قومها ، كنفس الآدمي ، وقد عصم خمر الذمي ، بدليل أن المسلم يمنع من إتلافها ، فيجب أن يقومها ، ولأنها مال لهم يتمولونها ، بدليل ما روي عن عمر رضي الله عنه أن عامله كتب إليه : إن أهل الذمة يمرون بالعاشر ، ومعهم الخمور . فكتب إليه عمر : ولوهم بيعها ، وخذوا منهم عشر ثمنها . وإذا كانت مالا لهم وجب ضمانها ، كسائر أموالهم .

ولنا ، أن جابرا ، النبي صلى الله عليه وسلم قال : روى { ألا إن الله ورسوله حرما بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام } . متفق على صحته . وما حرم بيعه لا لحرمته ، لم تجب قيمته ، كالميتة ، ولأن ما لم يكن مضمونا في حق المسلم ، لم يكن مضمونا في حق الذمي ، كالمرتد ، ولأنها غير متقومة ، فلا تضمن ، كالميتة ، ودليل أنها غير متقومة في حق المسلم ، فكذلك في حق الذمي ، فإن تحريمها ثبت في حقهما ، وخطاب النواهي يتوجه إليهما ، فما ثبت في حق أحدهما ، ثبت في حق الآخر . ولا نسلم أنها معصومة ، بل متى أظهرت حلت إراقتها ، ثم لو عصمها ما لزم تقويمها ; فإن نساء أهل الحرب وصبيانهم معصومون غير متقومين .

وقولهم : إنها مال عندهم . ينتقض بالعبد المرتد ، فإنه مال عندهم . وأما حديث عمر ، فمحمول على أنه أراد ترك التعرض لهم ، وإنما أمر بأخذ عشر أثمانها ، لأنهم إذا تبايعوا وتقابضوا حكمنا لهم بالملك ولم ننقضه ، وتسميتها أثمانا مجاز ، كما سمى الله تعالى ثمن يوسف ثمنا ، فقال : { وشروه بثمن بخس } .

وأما قول الخرقي : وينهى عن التعرض لهم فيما لا يظهرونه ، فلأن كل ما اعتقدوا حله في دينهم ، مما لا أذى للمسلمين فيه ، من الكفر ، وشرب الخمر واتخاذه ، ونكاح ذوات المحارم ، لا يجوز لنا التعرض لهم فيه ، إذا لم يظهروه ، لأننا التزمنا إقرارهم عليه في دارنا ، فلا نعرض لهم فيما التزمنا تركه ، وما أظهروه من ذلك ، تعين إنكاره عليهم ، فإن كان خمرا جازت إراقته ، وإن أظهروا صليبا أو طنبورا جاز كسره ، وإن أظهروا كفرهم أدبوا على ذلك ، ويمنعون من إظهار ما يحرم على المسلمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية