صفحة جزء
( 4013 ) فصل : الشرط الثاني ، أن يكون المبيع أرضا ; لأنها التي تبقى على الدوام ، ويدوه ضررها ، وأما غيرها فينقسم قسمين ; أحدهما ، تثبت فيه الشفعة تبعا للأرض ، وهو البناء والغراس يباع مع الأرض ، فإنه يؤخذ بالشفعة تبعا للأرض ، بغير خلاف في المذهب ، ولا نعرف فيه بين من أثبت الشفعة خلافا . وقد دل عليه { قول النبي صلى الله عليه وسلم وقضاؤه بالشفعة في كل شرك لم يقسم ، ربعة أو حائط } .

وهذا يدخل فيه البناء والأشجار . القسم الثاني ، ما لا تثبت فيه الشفعة تبعا ولا مفردا ، وهو الزرع والثمرة الظاهرة تباع مع الأرض ; فإنه لا يؤخذ بالشفعة مع الأصل . وبهذا قال الشافعي . وقال أبو حنيفة ، ومالك : يؤخذ ذلك بالشفعة مع أصوله ; لأنه متصل بما فيه الشفعة ، فيثبت فيه الشفعة تبعا ، كالبناء والغراس .

ولنا ، أنه لا يدخل في البيع تبعا . فلا يؤخذ بالشفعة ، كقماش الدار ، وعكسه البناء والغراس ، وتحقيقه أن الشفعة بيع في الحقيقة ، لكن الشارع جعل له سلطان الأخذ بغير رضى المشتري ، فإن بيع الشجر وفيه ثمرة غير ظاهرة ، كالطلع غير المؤبر ، دخل في الشفعة ; لأنها تتبع في البيع ، فأشبهت الغراس في الأرض .

وأما ما بيع مفردا من الأرض ، فلا شفعة فيه ، سواء كان مما ينقل ، كالحيوان والثياب والسفن والحجارة والزرع والثمار ، أو لا ينقل ، كالبناء والغراس إذا بيع مفردا ، وبهذا قال الشافعي ، وأصحاب الرأي .

وروي عن الحسن ، والثوري ، والأوزاعي ، والعنبري ، وقتادة ، وربيعة ، وإسحاق : لا شفعة في المنقولات . واختلف عن مالك وعطاء ، فقالا مرة كذلك ، ومرة قالا : الشفعة في كل شيء ، حتى في الثوب . قال ابن أبي موسى : وقد روي عن أبي عبد الله رواية أخرى ، أن الشفعة واجبة فيما لا ينقسم كالحجارة والسيف والحيوان ، وما في معنى ذلك . قال أبو الخطاب : وعن أحمد رواية أخرى ، أن الشفعة تجب في البناء والغراس ، وإن بيع مفردا .

وهو قول مالك ; لعموم قوله عليه السلام : { الشفعة فيما لم يقسم } . ولأن الشفعة وضعت لدفع الضرر ، وحصول الضرر بالشركة فيما لا ينقسم أبلغ منه فيما ينقسم ، ولأن ابن أبي مليكة روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الشفعة في كل شيء } .

ولنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : { الشفعة فيما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود ، وصرفت الطرق ، فلا شفعة } . لا يتناول إلا ما ذكرناه ، وإنما أراد ما لا ينقسم من الأرض ، بدليل قوله : " فإذا وقعت الحدود ، وصرفت الطرق " . ولأن هذا مما لا يتباقى على الدوام ، فلا تجب فيه الشفعة ، كصبرة الطعام وحديث ابن أبي مليكة مرسل ، لم يرد في الكتب الموثوق بها ، والحكم في الغراف والدولاب والناعورة ، كالحكم في البناء .

فأما إن بيعت الشجرة مع قرارها من الأرض ، مفردة عما يتخللها من الأرض ، فحكمها حكم ما لا ينقسم من العقار ، ولأن هذا مما لا ينقسم ، على ما سنذكره . ويحتمل أن لا تجب الشفعة فيها بحال ; لأن القرار تابع لها ، فإذا لم تجب الشفعة فيها مفردة ، لم تجب في تبعها . وإن بيعت حصة من علو دار مشترك نظرت ; فإن كان السقف الذي تحته لصاحب السفل ، فلا شفعة في العلو ; لأنه بناء مفرد ، وإن كان لصاحب العلو ، فكذلك ; لأنه بناء منفرد لكونه لا أرض له ، فهو كما لو لم يكن السقف له .

ويحتمل ثبوت الشفعة ; لأن له قرارا ، فهو كالسفل .

التالي السابق


الخدمات العلمية