صفحة جزء
[ ص: 181 ] فصل : الشرط الثالث ، أن يكون المبيع مما يمكن قسمته ، فأما ما لا يمكن قسمته من العقار ، كالحمام الصغير ، والرحى الصغيرة ، والعضادة ، والطريق الضيقة ، والعراص الضيقة ، فعن أحمد فيها روايتان ; إحداهما ، لا شفعة فيه . وبه قال يحيى بن سعيد ، وربيعة ، والشافعي .

والثانية ، فيها الشفعة . وهو قول أبي حنيفة ، والثوري ، وابن سريج . وعن مالك كالروايتين . ووجه هذا عموم قوله عليه السلام { الشفعة فيما لم يقسم } . وسائر الألفاظ العامة ، ولأن الشفعة ثبتت لإزالة ضرر المشاركة والضرر في هذا النوع أكثر ; لأنه يتأبد ضرره .

والأول ظاهر المذهب لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا شفعة في فناء ، ولا طريق ، ولا منقبة } . والمنقبة : الطريق الضيق . رواه أبو الخطاب في " رءوس المسائل " . وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال : لا شفعة في بئر ولا فحل . ولأن إثبات الشفعة في هذا يضر بالبائع ; لأنه لا يمكنه أن يتخلص من إثبات الشفعة في نصيبه بالقسمة ، وقد يمتنع المشتري لأجل الشفيع ، فيتضرر البائع ، وقد يمتنع البيع ، فتسقط الشفعة فيؤدي إثباتها إلى نفيها .

ويمكن أن يقال : إن الشفعة إنما تثبت لدفع الضرر الذي يلحقه بالمقاسمة ، لما يحتاج إليه من إحداث المرافق الخاصة ، ولا يوجد هذا فيما لا ينقسم .

وقولهم : إن الضرر هاهنا أكثر لتأبده . قلنا : إلا أن الضرر في محل الوفاق من غير جنس هذا الضرر ، وهو ضرر الحاجة إلى إحداث المرافق الخاصة ، فلا يمكن التعدية ، وفي الشفعة هاهنا ضرر غير موجود في محل الوفاق ، وهو ما ذكرناه فتعذر الإلحاق ، فأما ما أمكن قسمته مما ذكرنا ، كالحمام الكبير الواسع البيوت ، بحيث إذا قسم لم يستضر بالقسمة ، وأمكن الانتفاع به حماما ، فإن الشفعة تجب فيه وكذلك البئر والدور والعضائد ، متى أمكن أن يحصل من ذلك شيئان ، كالبئر ينقسم بئرين يرتقي الماء منهما ، وجبت الشفعة .

وكذلك إن كان مع البئر بياض أرض ، بحيث يحصل البئر في أحد النصيبين ، وجبت الشفعة أيضا ; لأنه تمكن القسمة . وهكذا الرحى إن كان لها حصن يمكن قسمته ، بحيث يحصل الحجران في أحد القسمين ، أو كان فيها أربعة أحجار دائرة ، يمكن أن ينفرد كل واحد منهما بحجرين ، وجبت الشفعة ، وإن لم يمكن إلا أن يحصل لكل واحد منهما ما لم يتمكن من إبقائها رحى ، لم تجب الشفعة .

فأما الطريق ، فإن الدار إذا بيعت ولها طريق في شارع أو درب نافذ ، فلا شفعة في تلك الدار ولا في الطريق ; لأنه لا شركة لأحد في ذلك . وإن كان الطريق في درب غير نافذ ، ولا طريق للدار سوى تلك الطريق ، فلا شفعة أيضا ; لأن إثبات ذلك يضر بالمشتري ، لأن الدار تبقى لا طريق لها .

وإن كان للدار باب آخر ، يستطرق منه ، أو كان لها موضع يفتح منه باب لها إلى طريق نافذ ، نظرنا في طريق المبيع من الدار ، فإن كان ممرا لا تمكن قسمته ، فلا شفعة فيه ، وإن كان تمكن قسمته ، وجبت الشفعة فيه ; لأنه أرض مشتركة تحتمل القسمة فوجبت فيه الشفعة ، كغير الطريق ، ويحتمل أن لا تجب الشفعة فيها بحال ; لأن الضرر يلحق المشتري بتحويل الطريق إلى مكان آخر ، مع ما في الأخذ بالشفعة من تفريق صفقة المشتري ، وأخذ بعض المبيع من العقار دون بعض ، فلم يجز .

كما لو كان الشريك في الطريق شريكا في الدار ، فأراد أخذ الطريق وحدها . والقول في دهليز الجار وصحنه ، كالقول في الطريق المملوك . وإن كان نصيب المشتري من الطريق أكثر من حاجته ، فذكر القاضي أن الشفعة تجب في الزائد بكل حال ; [ ص: 182 ] لوجود المقتضي ، وعدم المانع . والصحيح أنه لا شفعة فيه ; لأن في ثبوتها تبعيض صفقة المشتري ، ولا يخلو من الضرر .

التالي السابق


الخدمات العلمية