صفحة جزء
( 4048 ) مسألة ; قال : ( وإذا بنى المشتري أعطاه الشفيع قيمة بنائه ، إلا أن يشاء المشتري أن يأخذ بناءه ، فله ذلك ، إذا لم يكن في أخذه ضرر ) وجملته أنه يتصور بناء المشتري وغرسه في الشقص المشفوع على وجه مباح في مسائل : منها ، أن يظهر المشتري أنه وهب له ، أو أنه اشتراه بأكثر من ثمنه ، أو غير ذلك مما يمنع الشفيع من الأخذ بها ، فيتركها ويقاسمه ، ثم يبني المشتري ويغرس فيه .

ومنها ، أن يكون غائبا فيقاسمه وكيله ، أو صغيرا فيقاسمه وليه ، ونحو ذلك ، ثم يقدم الغائب ، أو يبلغ الصغير ، فيأخذ بالشفعة . وكذلك إن كان غائبا أو صغيرا ، فطالب المشتري الحاكم بالقسمة ، فقاسم ، ثم قدم الغائب ، وبلغ الصغير ، فأخذه بالشفعة بعد غرس المشتري وبنائه ، فإن للمشتري قلع غرسه وبنائه ، إن اختار ذلك ; لأنه ملكه ، فإذا قلعه فليس عليه تسوية الحفر ، ولا نقص الأرض . ذكره القاضي .

وهو مذهب الشافعي ; لأنه غرس وبنى في ملكه ، وما حدث من النقص إنما حدث في ملكه ، وذلك مما لا يقابله ثمن . وظاهر كلام الخرقي أن عليه ضمان النقص الحاصل بالقلع ; لأنه اشترط في قلع الغرس والبناء عدم الضرر ، وذلك لأنه نقص دخل على ملك غيره لأجل تخليص ملكه ، فلزمه ضمانه ، كما لو كسر محبرة غيره لإخراج ديناره منها . وقولهم : إن النقص حصل في ملكه . ليس كذلك ; فإن النقص الحاصل بالقلع إنما هو في ملك الشفيع .

فأما نقص الأرض الحاصل بالغرس والبناء فلا يضمنه ; لما ذكروه . فإن لم يختر المشتري القلع ، فالشفيع بالخيار بين ثلاثة أشياء ; ترك الشفعة ، وبين دفع قيمة الغراس والبناء فيملكه مع الأرض ، وبين قلع الغرس والبناء ، ويضمن له ما نقص بالقلع . وبهذا قال الشعبي ، والأوزاعي ، وابن أبي ليلى ، ومالك ، والليث ، [ ص: 199 ] والشافعي ، والبتي ، وسوار ، وإسحاق .

وقال حماد بن أبي سليمان ، والثوري وأصحاب الرأي : يكلف المشتري القلع ، ولا شيء له ; لأنه بنى فيما استحق غيره أخذه ، فأشبه الغاصب ، ولأنه بنى في حق غيره بغير إذنه ، فأشبه ما لو بانت مستحقة . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا ضرر ولا ضرار } .

ولا يزول الضرر عنهما إلا بذلك ، ولأنه بنى في ملكه الذي تملك بيعه ، فلم يكلف قلعه مع الإضرار ، كما لو لم يكن مشفوعا . وفارق ما قاسوا عليه ، فإنه بنى في ملك غيره ، ولأنه عرق ظالم ، وليس لعرق ظالم حق ، بخلاف مسألتنا ، فإنه غير ظالم ، فيكون له حق . إذا ثبت هذا ، فإنه لا يمكن إيجاب قيمته مستحقا للبقاء في الأرض ; لأنه لا يستحق ذلك ، ولا قيمته مقلوعا ; لأنه لو وجبت قيمته مقلوعا لملك قلعه ، ولم يضمن شيئا ، ولأنه قد يكون مما لا قيمة له إذا قلعه .

ولم يذكر أصحابنا كيفية وجوب القيمة ، فالظاهر أن الأرض تقوم وفيها الغراس والبناء ، ثم تقوم خالية منهما ، فيكون ما بينهما قيمة الغرس والبناء ، فيدفعه الشفيع إلى المشتري إن أحب ، أو ما نقص منه إن اختار القلع ; لأن ذلك هو الذي زاد بالغرس والبناء .

ويحتمل أن يقوم الغرس والبناء مستحقا للترك بالأجرة أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه ، فإن كان للغرس وقت يقلع فيه فيكون له قيمة ، وإن قلع قبله لم يكن له قيمة ، أو تكون قيمته قليلة ، فاختار الشفيع قلعه قبل وقته ، فله ذلك ; لأنه يضمن النقص فيجبر به ضرر المشتري ، سواء كثر النقص أو قل ، ويعود ضرر كثرة النقص على الشفيع ، وقد رضي باحتماله .

وإن غرس أو بنى مع الشفيع أو وكيله في المشاع ، ثم أخذه الشفيع ، فالحكم في أخذ نصيبه من ذلك كالحكم في أخذ جميعه بعد المقاسمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية