صفحة جزء
( 4232 ) مسألة قال : ( ويجوز أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته ) اختلفت الرواية عن أحمد ، في من استأجر أجيرا بطعامه وكسوته ، أو جعل له أجرا ، وشرط طعامه وكسوته ، فروي عنه جواز ذلك . وهو مذهب مالك ، وإسحاق . وروي عن أبي بكر ، وعمر ، وأبي موسى رضي الله عنهم أنهم استأجروا الأجراء بطعامهم وكسوتهم . وروي عنه أن ذلك جائز في الظئر دون غيرها . اختارها القاضي

وهذا مذهب أبي حنيفة ; لأن ذلك مجهول ; وإنما جاز في الظئر ، لقول الله تعالى : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } . فأوجب لهن النفقة والكسوة على الرضاع ، ولم يفرق بين المطلقة وغيرها ، بل في الآية قرينة تدل على طلاقها ; لأن الزوجة تجب نفقتها وكسوتها بالزوجية وإن لم ترضع ; لأن الله تعالى قال : { وعلى الوارث مثل ذلك } . والوارث ليس بزوج ، ولأن المنفعة في الحضانة والرضاع غير معلومة ، فجاز أن يكون عوضها كذلك . وروي عنه رواية ثالثة : لا يجوز ذلك بحال ، لا في الظئر ولا في غيرها

وبه قال الشافعي وأبو يوسف ، ومحمد ، وأبو ثور ، وابن المنذر ; لأن ذلك يختلف اختلافا كثيرا متباينا ، فيكون مجهولا ، والأجر من شرطه أن يكون معلوما . ولنا : ما روى ابن ماجه ، عن عتبة بن الندر ، قال : { كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ طس حتى بلغ قصة موسى ، قال : إن موسى آجر نفسه ثماني سنين أو عشرا ، على عفة فرجه ، وطعام بطنه } . وشرع من قبلنا شرع لنا ، ما لم يثبت نسخه

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : كنت أجيرا لابنة غزوان بطعام بطني ، وعقبة رجلي ، أحطب لهم إذا نزلوا ، وأحدو بهم إذا ركبوا . ولأن من ذكرنا من الصحابة وغيرهم فعلوه ، فلم يظهر له نكير ، فكان إجماعا ، ولأنه قد ثبت في الظئر بالآية ، فيثبت في غيرها بالقياس عليها ، ولأنه عوض منفعة ، فقام العرف فيه مقام التسمية ، كنفقة الزوجة ، ولأن للكسوة عرفا ، وهي كسوة الزوجات ، وللإطعام عرف ، وهو الإطعام في الكفارات ، فجاز إطلاقه ، كنقد البلد . ونخص أبا حنيفة بأن ما كان عوضا في الرضاع جاز في الخدمة [ ص: 286 ] كالأثمان

إذا ثبت هذا ، فإنهما إن تشاحا في مقدار الطعام والكسوة ، رجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة ، وفي الكسوة إلى أقل ملبوس مثله . قال أحمد : إذا تشاحا في الطعام ، يحكم له بمد كل يوم . ذهب إلى ظاهر ما أمر الله تعالى من إطعام المساكين ، ففسرت ذلك السنة بأنه مد لكل مسكين . ولأن الإطعام مطلق في الموضعين ، فما فسر به أحدهما يفسر به الآخر . وليس له إطعام الأجير إلا ما يوافقه من الأغذية ; لأن عليه ضررا ، ولا يمكنه استيفاء الواجب له منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية