( 4351 ) فصل : في الحمى ، ومعناه أن 
يحمي أرضا من الموات ، يمنع الناس رعي ما فيها من الكلأ ، ليختص بها دونهم   . وكانت 
العرب  في الجاهلية تعرف ذلك ، فكان منهم من إذا انتجع بلدا أوفى بكلب على نشز ، ثم استعواه . ووقف له من كل ناحية من يسمع صوته بالعواء ، فحيثما انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه ، ويرعى مع العامة فيما سواه . فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ; لما فيه من التضييق على الناس ، ومنعهم من الانتفاع بشيء لهم فيه حق . وروى 
الصعب بن جثامة  ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=30727لا حمى إلا لله ولرسوله   } . رواه 
أبو داود  
وقال : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=15301الناس شركاء في ثلاث : الماء ، والنار ، والكلأ   } رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=14242الخلال    . وليس لأحد من الناس سوى الأئمة أن يحمي ; لما ذكرنا من الخبر والمعنى . فأما النبي صلى الله عليه وسلم فكان له أن يحمي لنفسه وللمسلمين ; لقوله في الخبر : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=30727لا حمى إلا لله ولرسوله   } . لكنه لم يحم لنفسه شيئا ، وإنما حمى للمسلمين ، فقد روى 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  ، قال : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=18196حمى النبي صلى الله عليه وسلم النقيع  لخيل المسلمين   } . رواه 
أبو عبيد    . 
والنقيع  ، بالنون : موضع ينتقع فيه الماء ، فيكثر فيه الخصب ، لمكان ما يصير فيه من الماء 
وأما سائر أئمة المسلمين ، فليس لهم أن يحموا لأنفسهم شيئا ، ولكن لهم أن يحموا مواضع لترعى فيها خيل المجاهدين ، ونعم الجزية ، وإبل الصدقة وضوال الناس التي يقوم الإمام بحفظها ، وماشية الضعيف من الناس ، على وجه لا يستضر به من سواه من الناس . وبهذا قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  في صحيح قوليه ، وقال في الآخر : ليس لغير النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمي ; لقوله : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=30727لا حمى إلا لله ولرسوله   } . ولنا أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر   nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان  حميا ، واشتهر ذلك في الصحابة ، فلم ينكر عليهما ، فكان إجماعا 
وروى 
أبو عبيد  ، بإسناده عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16281عامر بن عبد الله بن الزبير  ، أحسبه عن أبيه ، قال : أتى أعرابي 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر  ، فقال : يا أمير المؤمنين ، بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية ، وأسلمنا عليها في الإسلام ، علام تحميها ؟ فأطرق 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر  ، وجعل ينفخ ، ويفتل شاربه ، وكان إذا كربه أمر فتل شاربه ، ونفخ فلما رأى الأعرابي ما به جعل يردد ذلك ، فقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر    : المال مال الله ، والعباد عباد الله ، والله لولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت شبرا من الأرض في شبر . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك    : بلغني أنه كان يحمل في كل عام على أربعين ألفا من الظهر . وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17080أسلم  ، قال : سمعت 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر  يقول 
لهني  حين استعمله على حمى 
الربذة    : يا 
هني  ، اضمم جناحك عن الناس ، واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة . وأدخل رب الصريمة والغنيمة ، ودعني من نعم 
ابن عوف  ونعم 
 nindex.php?page=showalam&ids=7ابن عفان  ، فإنهما إن هلكت ماشيتهما رجعا إلى نخل وزرع ، وإن هذا المسكين إن هلكت ماشيته ، جاء يصرخ : يا أمير المؤمنين . فالكلأ أهون علي أم غرم الذهب والورق ، إنها أرضهم قاتلوا عليها في الجاهلية ، وأسلموا عليها في الإسلام ، وإنهم ليرون أنا نظلمهم ، ولولا  
[ ص: 339 ] النعم التي يحمل عليها في سبيل الله ، ما حميت على الناس من بلادهم شيئا أبدا . 
وهذا إجماع منهم . ولأن ما كان لمصالح المسلمين ، قامت الأئمة فيه مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { 
ما أطعم الله لنبي طعمة إلا جعلها طعمة لمن بعده   } 
وأما الخبر فمخصوص ، وأما حماه لنفسه ، فيفارق حمى النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ، لأن صلاحه يعود إلى صلاح المسلمين ، وما له كان يرده في المسلمين ، ففارق الأئمة في ذلك ، وساووه فيما كان صلاحا للمسلمين ، وليس لهم أن يحموا إلا قدرا لا يضيق به على المسلمين ويضر بهم ; لأنه إنما جاز لما فيه من المصلحة لما يحمى ، وليس من المصلحة إدخال الضرر على أكثر الناس .