صفحة جزء
( 4355 ) فصل : وإذا حصل نصيب إنسان في ساقية ، فله أن يسقي به ما شاء من الأرض ، سواء كان لها رسم شرب من هذا النهر ، أو لم يكن . وله أن يعطيه من يسقي به . وقال القاضي ، وأصحاب الشافعي : ليس له سقي أرض ليس لها رسم شرب في هذا الماء ; لأن ذلك دال على أن لها قسما من هذا الماء ، فربما جعل سقيها منه دليلا على استحقاقها لذلك ، فيستضر الشركاء ، ويصير هذا كما لو كان له دار بابها في درب لا ينفذ ، ودار بابها في درب آخر ، ظهرها ملاصق لظهر داره الأولى ، فأراد تنفيذ إحداهما إلى الأخرى

لم [ ص: 342 ] يجز ; لأنه يجعل لنفسه استطراقا من كل واحدة من الدارين . ولنا أن هذا ماء انفرد باستحقاقه ، فكان له أن يسقي منه ما شاء ، كما لو انفرد به من أصله . ولا نسلم ما ذكروه في الدارين ، وإن سلمنا فالفرق بينهما أن كل دار يخرج منها إلى درب آخر مشترك ; لأن الظاهر أن لكل دار سكانا ، فيجعل لسكان كل واحدة منهما استطراقا إلى درب غير نافذ ، لم يكن لهم حق في استطراقه ، وهاهنا إنما يسقي من ساقيته المفردة التي لا يشاركه غيره فيها ، فلو صار لتلك الأرض رسم من الشرب من ساقيته ، لم يتضرر بذلك أحد

ولو كان يسقي من هذا النهر بدولاب ، فأحب أن يسقي بذلك الماء أرضا لا رسم لها في الشرب من ذلك النهر ، فالحكم في ذلك على ما ذكرنا من الخلاف في التي قبلها . وإن كان الدولاب يغرف من نهر غير مملوك ، جاز أن يسقي بنصيبه من الماء أرضا لا رسم لها في الشرب منه ، بغير خلاف نعلمه

فإن ضاق الماء ، قدم الأسبق فالأسبق ، على ما مضى . ( 4356 ) فصل : ولكل واحد منهم أن يتصرف في ساقيته المختصة به بما أحب ، من إجراء غير هذا الماء فيها ، أو عمل رحى عليها ، أو دولاب ، أو عبارة ، وهي خشبة تمد على طرفي النهر ، أو قنطرة يعبر الماء فيها ، وغير ذلك من التصرفات ; لأنها ملكه ، لا حق لغيره فيها . فأما النهر المشترك ، فليس لواحد منهم أن يتصرف فيه بشيء من ذلك ; لأنه يتصرف في النهر المشترك وفي حريمه بغير إذن شركائه . وقال القاضي في العبارة : هذا ينبني على الروايتين ، في من أراد أن يجري ماءه في أرض غيره

والصحيح أنه لا يجوز هاهنا ، ولا يصح قياس هذا على إجراء الماء في أرض غيره ; لأن إجراء الماء في أرض غيره ينفع صاحبها ، لأنه يسقي عروق شجره ، ويشربه أولا وآخرا . وهذا لا ينفع النهر ، بل ربما أفسد حافتيه ، ولم يسق له شيئا . ولو أراد أحد الشركاء أن يأخذ من ماء النهر قبل قسمه شيئا يسقي به أرضا في أول النهر أو غيره ، أو أراد إنسان غيرهم ذلك ، لم يجز ; لأنهم صاروا أحق بالماء الجاري في نهرهم من غيرهم ، ولأن الأخذ من الماء ربما احتاج إلى تصرف في حافة النهر المملوك لغيره ، أو المشترك بينه وبين غيره

ولو فاض ماء هذا النهر إلى ملك إنسان ، فهو مباح ، كالطائر يعشش في ملك إنسان . وهذا كله مذهب الشافعي فيه نحو مما ذكرنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية