صفحة جزء
( 4384 ) فصل : فإن قال : وقفت على أولادي ، ثم على المساكين . أو قال : على ولدي ، ثم على المساكين . أو على ولد فلان ، ثم على المساكين . فقد روي عن أحمد ما يدل على أنه يكون وقفا على أولاده ، وأولاد أولاده ، من الأولاد البنين ، ما لم تكن قرينة تصرف عن ذلك . قال المروذي : قلت لأبي عبد الله : ما تقول في رجل وقف ضيعة على ولده ، فمات الأولاد ، وتركوا النسوة حوامل ؟ فقال : كل ما كان من أولاد الذكور ، بنات كن أو بنين ، فالضيعة موقوفة عليهم ، وما كان من أولاد البنات ، فليس لهم فيه شيء ; لأنهم من رجل آخر

وقال أيضا في من وقف على ولد علي بن إسماعيل ، ولم يقل : إن مات ولد علي بن إسماعيل دفع إلى ولد ولده ، فمات ولد علي بن إسماعيل : دفع إلى ولده أيضا ; لأن هذا من ولد علي بن إسماعيل . ووجه ذلك أن الله تعالى قال : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } . فدخل فيه ولد البنين وإن سفلوا . ولما قال : { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد }

فتناول ولد البنين ، وكذلك كل موضع ذكر الله تعالى الولد دخل فيه ولد البنين ، فالمطلق من كلام الآدمي إذا خلا عن قرينة ، ينبغي أن يحمل على المطلق من كلام الله تعالى ، ويفسر بما يفسر به . ولأن ولد ولده ولد له ، بدليل قول الله تعالى : يا بني [ ص: 355 ] آدم ويا بني إسرائيل . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { ارموا بني إسماعيل ، فإن أباكم كان راميا } . وقال : { نحن بنو النضر بن كنانة } . والقبائل كلها تنسب إلى جدودها . ولأنه لو وقف على ولد فلان ، وهم قبيلة ، دخل فيه ولد البنين ، فكذلك إذا لم يكونوا قبيلة

وقال القاضي ، وأصحابه : لا يدخل فيه ولد الولد بحال ، سواء في ذلك ولد البنين وولد البنات ; لأن الولد حقيقة وعرفا إنما هو ولده لصلبه ، وإنما يسمى ولد الولد ولدا مجازا ، ولهذا يصح نفيه ، فيقال : ما هذا ولدي ، إنما هو ولد ولدي . وإن قال : على ولدي لصلبي . فهو آكد . وإن قال : على ولدي ، وولد ولدي ، ثم على المساكين . دخل فيه البطن الأول والثاني ، ولم يدخل فيه البطن الثالث . وإن قال : على ولدي ، وولد ولدي ، وولد ولد ولدي . دخل فيه ثلاثة بطون دون من بعدهم

وموضع الخلاف المطلق ، فأما مع وجود دلالة تصرف إلى أحد المحملين ، فإنه يصرف إليه بغير خلاف ، مثل أن يقول : على ولد فلان . وهم قبيلة ليس فيهم ولد من صلبه ، فإنه يصرف إلى أولاد الأولاد بغير خلاف . وكذلك إن قال : على أولادي ، أو ولدي . وليس له ولد من صلبه . أو قال : ويفضل ولد الأكبر أو الأعلم على غيرهم . أو قال : فإذا خلت الأرض من عقبي عاد إلى المساكين . أو قال : على ولدي غير ولد البنات . أو غير ولد فلان . أو قال : يفضل البطن الأعلى على الثاني

أو قال : الأعلى فالأعلى . وأشباه ذلك ، فهذا يصرف لفظه إلى جميع نسله وعاقبته . وإن اقترنت به قرينة تقضي تخصيص أولاده لصلبه بالوقف ، مثل أن يقول : على ولدي لصلبي . أو الذين يلونني . ونحو هذا ، فإنه يختص بالبطن الأول دون غيرهم . وإذا قلنا بالتعميم فيهم ، إما للقرينة ، وإما لقولنا بأن المطلق يقتضي التعميم ولم يكن في لفظه ما يقتضي تشريكا ولا ترتيبا ، احتمل أن يكون بينهم كلهم على التشريك ، لأنهم دخلوا في اللفظ دخولا واحدا ، فوجب أن يكون بينهم مشتركا ، كما لو أقر لهم بدين ، ويحتمل أن يكون على الترتيب ، على حسب الترتيب في الميراث

وهذا ظاهر كلام أحمد ; لقوله في من وقف على ولد علي بن إسماعيل ، ولم يقل : إن مات ولد علي بن إسماعيل دفع إلى ولد ولده . فمات ولد علي بن إسماعيل ، وترك ولدا ، فقال : إن مات بعض ولد علي بن إسماعيل دفع إلى ولده أيضا ; لأن هذا من ولد علي بن إسماعيل . فجعله لولد من مات من ولد علي بن إسماعيل عند موت أبيه ، وذلك أن ولد البنين لما دخلوا في قول الله تعالى : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين }

ولم يستحق ولد البنين شيئا مع وجود آبائهم ، واستحقوا عند فقدهم ، كذا هاهنا . فأما إن وصى لولد فلان ، وهم قبيلة ، فلا ترتيب فيه ، ويستحق الأعلى والأسفل على كل حال .

التالي السابق


الخدمات العلمية