صفحة جزء
( 4444 ) فصل : قول الخرقي : ( إذا قبل ) يدل على أنه إنما يستغنى عن القبض في موضع وجد فيه الإيجاب والقبول . والإيجاب أن يقول : وهبتك ، أو أهديت إليك ، أو أعطيتك ، أو هذا لك . ونحوه من الألفاظ الدالة على هذا المعنى . والقبول أن يقول : قبلت ، أو رضيت ، أو نحو هذا . وذكر القاضي ، وأبو الخطاب ، أن الهبة والعطية لا تصح كلها إلا بإيجاب وقبول ، ولا بد منهما ، سواء وجد القبض أو لم يوجد

وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي ; لأنه عقد تمليك ، فافتقر إلى الإيجاب والقبول ، كالنكاح . والصحيح أن المعاطاة والأفعال الدالة على الإيجاب والقبول كافية ، ولا يحتاج إلى لفظ . وهذا اختيار ابن عقيل ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهدي ويهدى إليه ، ويعطي ويعطى ، ويفرق الصدقات ، ويأمر سعاته بتفريقها وأخذها ، وكان أصحابه يفعلون ذلك "

ولم ينقل عنهم في ذلك إيجاب ولا قبول ، ولا أمر به ولا تعليمه لأحد ، ولو كان ذلك شرطا لنقل عنهم نقلا مشهورا ، { وكان ابن عمر على بعير لعمر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : بعنيه . فقال : هو لك يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو لك يا عبد الله بن عمر ، فاصنع به ما شئت } . ولم ينقل قبول النبي صلى الله عليه وسلم من عمر ، ولا قبول ابن عمر من النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان شرطا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه ابن عمر ، ولم يكن ليأمره أن يصنع به ما شاء قبل أن يقبله

وروى أبو هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بطعام سأل عنه ، فإن قالوا : صدقة . قال لأصحابه : كلوا . ولم يأكل ، وإن قالوا : هدية . ضرب بيده ، فأكل معهم } . ولا خلاف بين العلماء ، فيما علمناه ، في أن تقديم الطعام بين يدي الضيفان إذن في الأكل ، وأنه لا يحتاج إلى قبول بقوله . ولأنه وجد ما يدل على التراضي بنقل الملك ، فاكتفي به ، كما لو وجد الإيجاب والقبول

قال ابن عقيل إنما يشترط الإيجاب والقبول مع الإطلاق ، وعدم العرف القائم بين المعطي والمعطى ; لأنه إذا لم يكن عرف يدل على الرضا ، فلا بد من قول دال عليه ، أما مع قرائن الأحوال والدلائل ، فلا وجه لتوقيفه على اللفظ ، ألا ترى أنا اكتفينا بالمعاطاة في البيع ، واكتفينا بدلالة الحال في دخول الحمام ، وهو إجارة وبيع أعيان ، فإذا اكتفينا في المعاوضات مع تأكدها بدلالة الحال ، وأنها تنقل الملك من الجانبين ، فلأن نكتفي به في الهبة أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية