صفحة جزء
[ ص: 395 ] فصل : ولأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ، ويتملكه ، مع حاجة الأب إلى ما يأخذه ، ومع عدمها ، صغيرا كان الولد أو كبيرا ، بشرطين أحدهما أن لا يجحف بالابن ، ولا يضر به ، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته . الثاني أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر . نص عليه أحمد ، في رواية إسماعيل بن سعيد ، وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه ، فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى

وقد روي أن مسروقا زوج ابنته بصداق عشرة آلاف ، فأخذها ، وأنفقها في سبيل الله ، وقال للزوج : جهز امرأتك . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي : ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا } ، متفق عليه . وروى الحسن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : كل أحد أحق بكسبه من والده وولده والناس أجمعين . } رواه سعيد في " سننه " . وهذا نص

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه } . رواه الدارقطني . ولأن ملك الابن تام على مال نفسه ، فلم يجز انتزاعه منه ، كالذي تعلقت به حاجته . ولنا ما روت عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : إن أطيب ما أكلتم من كسبكم ، وإن أولادكم من كسبكم } . أخرجه سعيد ، والترمذي ، وقال : حديث حسن .

وروى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال { : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبي احتاج مالي . فقال : أنت ومالك لأبيك } . رواه الطبراني ، في " معجمه " مطولا ، ورواه غيره ، وزاد { : إن أولادكم من أطيب كسبكم ، فكلوا من أموالهم } . وروى محمد بن المنكدر ، والمطلب بن حنطب ، قال { : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن لي مالا وعيالا ، ولأبي مال وعيال ، وأبي يريد أن يأخذ مالي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنت ومالك لأبيك } . أخرجه سعيد ، في " سننه "

ولأن الله تعالى جعل الولد موهوبا لأبيه ، فقال : { ووهبنا له إسحاق ويعقوب } . وقال : { ووهبنا له يحيى } . وقال زكريا : { فهب لي من لدنك وليا } . وقال إبراهيم : { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق } .

وما كان موهوبا له ، كان له أخذ ماله ، كعبده . وقال سفيان بن عيينة ، في قوله : { ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم }

ثم ذكر بيوت سائر القرابات إلا الأولاد لم يذكرهم ; لأنهم دخلوا في قوله : { بيوتكم } . فلما كانت بيوت أولادهم كبيوتهم ، لم يذكر بيوت أولادهم . ولأن الرجل يلي مال ولده من غير تولية ، فكان له التصرف فيه كمال نفسه . وأما أحاديثهم ، فأحاديثنا تخصها وتفسرها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مال الابن مالا لأبيه ، بقوله : { أنت ومالك لأبيك } . فلا تنافي بينهما

وقوله : { أحق به من والده وولده } مرسل ، ثم هو يدل على ترجيح حقه على حقه ، لا على نفي الحق بالكلية ، والولد أحق من الوالد بما تعلقت به حاجته .

التالي السابق


الخدمات العلمية