صفحة جزء
( 4507 ) فصل : وكل ما جاز التقاطه ، ملك بالتعريف عند تمامه ، أثمانا كانت أو غيرها هذا كلام الخرقي ، فإن لفظه عام في كل لفظه . وقد نقل ذلك عن أحمد ، فإن محمد بن الحكم ، روى عنه في الصياد يقع في شصه الكيس أو النحاس : يعرفه سنة ، فإن جاء صاحبه ، وإلا فهو كسائر ماله . وهذا نص في النحاس . وقال الشريف بن أبي موسى : هل حكم العروض في التعريف ، وجواز التصرف فيها بعد ذلك ، حكم الأثمان ؟ على روايتين ، أظهرهما أنها كالأثمان ، ولا أعلم بين أكثر أهل العلم فرقا بين الأثمان والعروض في ذلك

وقال أكثر أصحابنا : لا تملك العروض بالتعريف . قال القاضي : نص أحمد على هذا ، في رواية الجماعة . واختلفوا فيما يصنع بها ، فقال أبو بكر ، وابن عقيل : يعرفها أبدا . وقال القاضي : هو بالخيار بين أن يقيم على تعريفها حتى يجيء صاحبها ، وبين دفعها إلى الحاكم ليرى رأيه فيها . وهل له بيعها بعد الحول ، ويتصدق بها ؟ على روايتين ، وقال الخلال : كل ما روي عن أحمد ، أنه يعرفه سنة ، ويتصدق به ، والذي نقل أنه يعرف أبدا قول قديم ، رجع عنه

واحتجوا بما روي عن ابن عمر ، وابن عباس ، وابن مسعود ، مثل قولهم ، ولأنها لقطة لا تملك في الحرم ، فلا تملك في غيره كالإبل ، ولأن الخبر ورد في الأثمان ، وغيرها لا يساويها ; لعدم الغرض المتعلق بعينها ، فمثلها يقوم مقامها من كل وجه ، بخلاف غيرها . [ ص: 10 ] ولنا عموم الأحاديث في اللقطة جميعها { ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة ، فقال : عرفها سنة ثم قال في آخره : فانتفع بها ، أو فشأنك بها } وفي حديث عياض بن حمار : " من وجد لقطة "

وهو لفظ عام وروى الجوزجاني ، والأثرم في " كتابيهما " ، قالا : حدثنا أبو نعيم ، ثنا هشام بن سعد ، قال حدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال { : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، كيف ترى في متاع يوجد في الطريق الميتاء ، أو في قرية مسكونة ؟ فقال : عرفه سنة ، فإن جاء صاحبه ، وإلا فشأنك به } . ورويا أن سفيان بن عبد الله ، وجد عيبة فأتى بها عمر بن الخطاب فقال : عرفها سنة ، فإن عرفت ، وإلا فهي لك . زاد الجوزجاني : فلم تعرف ، فلقيه بها العام المقبل ، فذكرها له ، فقال عمر : هي لك ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك ورواه النسائي كذلك .

وهذا نص في غير الأثمان . وروى الجوزجاني بإسناده ، عن الحر بن الصباح قال : كنت عند ابن عمر بمكة ، إذ جاءه رجل . فقال : إني وجدت هذا البرد ، وقد نشدته وعرفته فلم يعرفه أحد ، وهذا يوم التروية ، ويوم يتفرق الناس . فقال : إن شئت قومته قيمة عدل ، ولبسته ، وكنت له ضامنا ، متى جاءك صاحبه دفعت إليه ثمنه ، وإن لم يجئ له طالب فهو لك إن شئت

ولأن ما جاز التقاطه ملك بالتعريف ، كالأثمان ، وما حكوه عن الصحابة إن صح ، فقد حكينا عن عمر وابنه خلافه . وقولهم : إنها لقطة لا تملك في الحرم ممنوع ، ثم هو منقوض بالأثمان ، ولا يصح قياسها على الإبل ; لأن معها حذاءها وسقاءها ، ترد الماء ، وتأكل الشجر ، حتى يأتيها ربها ، ولا يوجد ذلك في غيرها ، ولأن الإبل لا يجوز التقاطها ، فلا تملك به ، وهاهنا يجوز التقاطها ، فتملك به ، كالأثمان . ثم إذا لم تملك في الحرم ، لا تملك في الحل ; وذلك لأن الحرم ميز بكون لقطته لا يلتقطها إلا منشد ، ولهذا لم تملك الأثمان بالتقاطها فيه ، فلا يلزم أن لا تملك في موضع لم يوجد المانع فيه

وقولهم : إن النص خاص في الأثمان . قلنا : بل هو عام في كل لقطة ، فيجب العمل بعمومه ، وإن ورد فيها نص خاص ، فقد روي خبر عام ، فيعمل بهما ، ثم قد روينا نصا خاصا في العروض ، فيجب العمل به ، كما وجب العمل بالخاص في الأثمان ، ثم لو اختص الخبر بالأثمان ، لوجب أن يقاس عليها ما كان في معناها ، كسائر النصوص التي عقل معناها ووجد في غيرها ، وهاهنا قد وجد المعنى ، فيجب قياسه على المنصوص عليه ، أو نقول : إن المعنى هاهنا آكد ، فيثبت الحكم فيه بطريق التنبيه

وبيانه أن الأثمان لا تتلف بمضي الزمان عليها ، وانتظار صاحبها بها أبدا ، والعروض تتلف بذلك ، ففي النداء عليها دائما هلاكها ، وضياع ماليتها على صاحبها ، وملتقطها ، وسائر الناس ، في إباحة الانتفاع بها وملكها بعد التعريف ، حفظا لماليتها على صاحبها بدفع قيمتها إليه ، وتقع لغيره ، فيجب ذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ، ولما فيه من المصلحة والحفظ لمال المسلم عليه وعلى أخيه ، ولأن في إثبات الملك فيها حثا على التقاطها وحفظها وتعريفها ، لكونه وسيلة إلى الملك المقصود للآدمي ، وفي نفي ملكها تضييع [ ص: 11 ] لها ، لما في التقاطها من الخطر والمشقة والكلفة من غير نفع يصل إليه ، فيؤدي إلى أن لا يلتقطها أحد لتعريفها فتضيع

وما ذكروه في الفرق ملغى بالشاة ، فقد ثبت الملك فيها مع هذا الفرق ، ثم يمكننا أن نقيس على الشاة ، فلا يحصل هذا الفرق بين الأصل والفرع . والله أعلم . ثم نقلب دليلهم ، فنقول : لقطة لا تملك في الحرم ، فما أبيح التقاطه منها ملك إذا كان في الحل ، كالإبل .

التالي السابق


الخدمات العلمية