صفحة جزء
( 4706 ) فصل : ويعتبر في المريض الذي هذه أحكامه شرطان ; أحدهما ، أن يتصل بمرضه الموت ، ولو صح في مرضه الذي أعطى فيه ، ثم مات بعد ذلك ، فحكم عطيته حكم عطية الصحيح ; لأنه ليس بمرض الموت . الثاني ، أن يكون مخوفا ، والأمراض على أربعة أقسام ; غير مخوف ، مثل وجع العين ، والضرس ، والصداع اليسير ، وحمى ساعة ، فهذا حكم صاحبه حكم الصحيح ; لأنه لا يخاف منه في العادة [ ص: 109 ]

الضرب الثاني ، الأمراض الممتدة ; كالجذام ، وحمى الربع ، والفالج في انتهائه ، والسل في ابتدائه ، والحمى الغب ، فهذا الضرب إن أضني صاحبها على فراشه ، فهي مخوفة ، وإن لم يكن صاحب فراش ، بل كان يذهب ويجيء ، فعطاياه من جميع المال . قال القاضي : هذا تحقيق المذهب فيه . وقد روى حرب ، عن أحمد ، في وصية المجذوم والمفلوج : من الثلث . وهو محمول على أنهما صارا صاحبي فراش . وبه يقول الأوزاعي ، والثوري ، ومالك ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وأبو ثور . وذكر أبو بكر وجها في صاحب الأمراض الممتدة ، أن عطيته من صلب المال

وهو مذهب الشافعي ; لأنه لا يخاف تعجيل الموت فيه ، وإن كان لا يبرأ فهو كالهرم . ولنا ، أنه مريض صاحب فراش يخشى التلف ، فأشبه صاحب الحمى الدائمة ، وأما الهرم فإن صار صاحب فراش ، فهو كمسألتنا . الضرب الثالث ، من تحقق تعجيل موته ، فينظر فيه ; فإن كان عقله قد اختل ، مثل من ذبح ، أو أبينت حشوته ، فهذا لا حكم لكلامه ولا لعطيته ، لأنه لا يبقى له عقل ثابت ، وإن كان ثابت العقل ، كمن خرقت حشوته ، أو اشتد مرضه ولم يتغير عقله ، صح تصرفه وتبرعه ، وكان تبرعه من الثلث ، فإن عمر رضي الله عنه خرجت حشوته ، فقبلت وصيته ، ولم يختلف في ذلك . وعلي رضي الله عنه بعد ضرب ابن ملجم أوصى وأمر ونهى ، فلم يحكم ببطلان قوله . الضرب الرابع ، مرض مخوف ، لا يتعجل موت صاحبه يقينا ، لكنه يخاف ذلك ، كالبرسام ، وهو بخار يرقى إلى الرأس ، ويؤثر في الدماغ ، فيختل العقل ، والحمى الصالب ، والرعاف الدائم ; لأنه يصفي الدم ، فيذهب القوة ، وذات الجنب وهو قرح بباطن الجنب ، ووجع القلب والرئة ; فإنها لا تسكن حركتها ، فلا يندمل جرحها ، والقولنج ، وهو أن ينعقد الطعام في بعض الأمعاء ، ولا ينزل عنه ، فهذه كلها مخوفة ، سواء كان معها حمى أو لم يكن ، وهي مع الحمى أشد خوفا . فإن ثاوره الدم ، واجتمع في عضو ، كان مخوفا ; لأنه من الحرارة المفرطة . وإن هاجت به الصفراء ، فهي مخوفة ; لأنها تورث يبوسة ، وكذلك البلغم إذا هاج ; لأنه من شدة البرودة ، وقد تغلب على الحرارة الغريزية فتطفئها . والطاعون مخوف ; لأنه من شدة الحرارة ، إلا أنه يكون في جميع البدن . وأما الإسهال ، فإن كان منخرقا لا يمكنه منعه ولا إمساكه ، فهو مخوف ، وإن كان ساعة ; لأن من لحقه ذلك أسرع في هلاكه . وإن لم يكن منخرقا ، لكنه يكون تارة وينقطع أخرى ، فإن كان يوما أو يومين ، فليس بمخوف ; لأن ذلك قد يكون من فضلة الطعام ، إلا أن يكون معه زحير وتقطيع كأن يخرج متقطعا ، فإنه يكون مخوفا ; لأن ذلك يضعف . وإن دام الإسهال ، فهو مخوف ، سواء كان معه زحير أو لم يكن . وما أشكل أمره من الأمراض ، رجع فيه إلى قول أهل المعرفة ، وهم الأطباء لأنهم أهل الخبرة بذلك والتجربة والمعرفة ، ولا يقبل إلا قول طبيبين مسلمين ثقتين بالغين ; لأن ذلك يتعلق به حق الوارث وأهل العطايا ، فلم يقبل فيه إلا ذلك . وقياس قول الخرقي ، أنه يقبل قول الطبيب العدل ، إذا لم يقدر على طبيبين ، كما ذكرنا في [ ص: 110 ] باب الدعاوى .

فهذا الضرب وما أشبهه ، عطاياه صحيحة ; لما ذكرناه من قصة عمر رضي الله عنه فإنه لما جرح سقاه الطبيب لبنا ، فخرج من جرحه ، فقال له الطبيب : اعهد إلى الناس . فعهد إليهم ووصى ، فاتفق الصحابة على قبول عهده ووصيته . وأبو بكر لما اشتد مرضه ، عهد إلى عمر ، فنفذ عهده .

التالي السابق


الخدمات العلمية