صفحة جزء
( 4834 ) مسألة قال : ( وإذا كان زوج وأم وإخوة وأخوات لأم وأخت لأب وأم وأخوات لأب ، فللزوج النصف ، وللأم السدس ، وللإخوة وللأخوات من الأم الثلث بينهم بالتسوية ، وللأخت من الأب والأم النصف ، وللأخوات من الأب السدس ) أما التسوية بين ولد الأم ، فلا نعلم فيه خلافا ، إلا رواية شذت عن ابن عباس ، أنه فضل الذكر على الأنثى ; لقول الله تعالى : { فهم شركاء في الثلث } . وقال في آية أخرى : { وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } . ولنا ، قول الله تعالى : { وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس } . فسوى بين الذكر والأنثى ، وقوله : { فهم شركاء في الثلث } . من غير تفضيل لبعضهم على بعض ، يقتضي التسوية بينهم ، كما لو وصى لهم بشيء أو أقر لهم به . وأما الآية الأخرى ، فالمراد بها ولد الأبوين ، وولد الأب ، بدليل أنه جعل للواحدة النصف وللاثنتين الثلثين ، وجعل الأخ يرث أخته الكل ثم هذا مجمع عليه فلا عبرة بقول شاذ ، وتوريث ولد الأم هاهنا الثلث والأم السدس والزوج النصف ، تسمية لا خلاف فيها أيضا . وقد اجتمع في هذه المسألة فروض يضيق المال عنها ، فإن النصف للزوج ، والنصف للأخت من الأبوين ، يكمل المال بهما ، ويزيد ثلث ولد الأم ، وسدس الأم ، وسدس الأخت من الأب ، فتعول المسألة بثلثيها ، وأصلها من ستة أسهم ، فتعول إلى عشرة ، وتسمى أم الفروخ ; لكثرة عولها ، شبهوا أصلها بالأم ، وعولها بفروخها ، وليس في الفرائض مسألة تعول بثلثيها سوى هذه وشبهها ، ولا بد في أم الفروخ من زوج واثنين فصاعدا ، من ولد الأم ، وأم أو جدة ، واثنين من ولد الأبوين ، أو الأب ، أو إحداهما من ولد الأبوين ، والأخرى من ولد الأب ، فمتى اجتمع فيها هذا ، عالت إلى عشرة ، ومعنى العول أن تزدحم فروض لا يتسع المال لها ، كهذه المسألة ، فيدخل النقص عليهم كلهم ، ويقسم المال بينهم على قدر فروضهم ، كما يقسم مال المفلس بين غرمائه بالحصص ; لضيق ماله عن وفائهم ، ومال الميت بين أرباب الديون إذا لم يف لها ، والثلث بين أرباب الوصايا إذا عجز عنها . وهذا قول عامة الصحابة ، ومن تبعهم من العلماء رضي الله عنهم ، يروى ذلك عن عمر ، وعلي ، والعباس ، وابن مسعود ، وزيد . وبه قال مالك في أهل المدينة ، والثوري ، وأهل العراق ، والشافعي ، وأصحابه ، وإسحاق ، ونعيم بن حماد ، وأبو ثور ، وسائر أهل العلم ، إلا ابن عباس ، وطائفة شذت يقل عددها . نقل ذلك عن محمد بن الحنفية ، ومحمد بن علي بن الحسين ، وعطاء ، وداود ، فإنهم قالوا : لا تعول المسائل [ ص: 175 ] روي عن ابن عباس ، أنه قال ، في زوج ، وأخت ، وأم : من شاء باهلته أن المسائل لا تعول ، إن الذي أحصى رمل عالج عددا أعدل من أن يجعل في مال نصفا ، ونصفا ، وثلثا ، هذان نصفان ذهبا بالمال ، فأين موضع الثلث ؟ فسميت هذه المسألة مسألة المباهلة لذلك ، وهي أول مسألة عائلة حدثت في زمن عمر رضي الله عنه فجمع الصحابة للمشورة فيها ، فقال العباس أرى أن تقسم المال بينهم على قدر سهامهم . فأخذ به عمر ، رضي الله عنه واتبعه الناس على ذلك ، حتى خالفهم ابن عباس ، فروى الزهري ، عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة ، قال : لقيت زفر بن أوس البصري ، فقال : نمضي إلى عبد الله بن عباس نتحدث عنده ، فأتيناه ، فتحدثنا عنده ، فكان من حديثه ، أنه قال : سبحان الذي أحصى رمل عالج عددا ، ثم يجعل في مال نصفا ، ونصفا ، وثلثا ، ذهب النصفان بالمال ، فأين موضع الثلث ، وأيم الله ، لو قدموا من قدم الله ، وأخروا من أخر الله ، ما عالت فريضة أبدا ، فقال زفر : فمن الذي قدمه الله ، ومن الذي أخره الله ؟ فقال : الذي أهبطه من فرض إلى فرض ، فذلك الذي قدمه الله ، والذي أهبطه من فرض إلى ما بقي ، فذلك الذي أخره الله . فقال زفر : فمن أول من أعال الفرائض ؟ قال : عمر بن الخطاب . فقلت : ألا أشرت عليه ؟ فقال : هبته ، وكان امرأ مهيبا . قوله : من أهبطه من فريضة إلى فريضة ، فذلك الذي قدمه الله . يريد أن الزوجين والأم لكل واحد منهم فرض ، ثم يحجب إلى فرض آخر لا ينقص منه ، وأما من أهبطه من فرض إلى ما بقي ، يريد البنات والأخوات ، فإنهن يفرض لهن ، فإذا كان معهن إخوتهن ، ورثوا بالتعصيب ، فكان لهم ما بقي ، قل أو كثر ، فكان مذهبه ، أن الفروض إذا ازدحمت رد النقص على البنات والأخوات . ولنا ، أن كل واحد من هؤلاء لو انفرد أخذ فرضه ، فإذا ازدحموا وجب أن يقتسموا على قدر الحقوق ، كأصحاب الديون والوصايا ، ولأن الله تعالى فرض للأخت النصف ، كما فرض للزوج النصف ، وفرض للأختين الثلثين ، .

كما فرض الثلث للأختين من الأم ، فلا يجوز إسقاط فرض بعضهم ، مع نص الله تعالى عليه ، بالرأي والتحكم ، ولم يمكن الوفاء بها ، فوجب أن يتساووا في النقص على قدر الحقوق ، كالوصايا ، والديون ، وقد يلزم ابن عباس على قوله مسألة فيها زوج ، وأم ، وأخوان من أم ، فإن حجب الأم إلى السدس خالف مذهبه في حجب الأم بأقل من ثلاثة من الإخوة ، وإن نقص الأخوين من الأم ، رد النقص على من لم يهبطه الله من فرض إلى ما بقي ، وإن أعال المسألة ، رجع إلى قول الجماعة .

وترك مذهبه ، ولا نعلم اليوم قائلا بمذهب ابن عباس ، ولا نعلم خلافا بين فقهاء الأمصار في القول بالعول ، بحمد الله ومنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية