صفحة جزء
( 508 ) مسألة : قال : وإذا رأت الدم ولها خمسون سنة ، فلا تدع الصوم ، ولا الصلاة ، وتقضي الصوم احتياطا ، فإن رأته بعد الستين ، فقد زال الإشكال ; وتيقن أنه ليس بحيض ، فتصوم وتصلي ولا تقضي . اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله ، في هذه المسألة فالذي نقل الخرقي هاهنا ، أنها لا تيأس من الحيض يقينا إلى ستين سنة ، وما تراه فيما بين الخمسين والستين مشكوك فيه ، لا تترك له الصلاة ، ولا الصوم ; لأن وجوبهما متيقن فلا يسقط بالشك ، وتقضي الصوم المفروض احتياطا ; لأن وجوبه كان متيقنا ، وما صامته في زمن الدم مشكوك في صحته ، فلا يسقط به ما تيقن وجوبه .

وروي عنه ما يدل على أنها بعد الخمسين لا تحيض . وكذلك قال إسحاق بن راهويه لا يكون حيضا بعد الخمسين ، ويكون حكمها فيما تراه من الدم حكم المستحاضة ; لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : إذا بلغت خمسين سنة خرجت من حد الحيض . وروي عنها أنها قالت : لن ترى المرأة في بطنها ولدا بعد الخمسين . وروي عنه أن نساء الأعاجم يئسن من المحيض في خمسين ، ونساء بني هاشم وغيرهم من العرب إلى ستين سنة وهو قول أهل المدينة لما روى الزبير بن بكار في كتاب النسب عن بعضهم ، أنه قال : لا تلد لخمسين سنة إلا العربية ، ولا تلد لستين إلا قرشية .

وقال : إن هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن حسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب ولها ستون سنة . وقال أحمد في امرأة من العرب رأت الدم بعد الخمسين إن عاودها مرتين أو ثلاثة فهو حيض ، وذلك لأن المرجع في هذا إلى الوجود ، وقد وجد حيض من نساء ثقات أخبرن به عن أنفسهن بعد الخمسين ، فوجب اعتقاد كونه حيضا كما قبل الخمسين ; ولأن الكلام فيما إذا وجد من المرأة دم في زمن عادتها على وجه كانت تراه قبل ذلك ، فالوجود هاهنا دليل الحيض ، كما كان قبل الخمسين دليلا ، فوجب جعله حيضا ، وأما إيجاب الصلاة والصوم فيه فللاحتياط ، لوقوع الخلاف فيه ، والصحيح أنه لا فرق بين نساء العرب وغيرهن لأنهن لا يختلفن في سائر أحكام الحيض ، فكذلك في هذا ، وما ذكر عن عائشة لا حجة فيه ; لأن وجود الحيض أمر حقيقي ، المرجع فيه إلى الوجود ، والوجود لا علم لها به .

ثم قد وجد بخلاف ما قالته ; فإن موسى بن عبد الله بن حسن قد ولدته أمه بعد الخمسين ، ووجد الحيض فيما بعد الخمسين على وجهه ، فلا يمكن إنكاره ، فإن قيل : [ ص: 220 ] هذا الدم ليس بحيض ، مع كونه على صفته ، وفي وقته وعادته ، بغير نص فهذا تحكم لا يقبل فأما بعد الستين فقد زال الإشكال وتيقن أنه ليس بحيض ; لأنه لم يوجد وقد علم أن للمرأة حالا تنتهي فيه إلى الإياس لقول الله تعالى { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم } قال أحمد في المرأة الكبيرة ترى الدم لا يكون حيضا ، هو بمنزلة الجرح وإن اغتسلت فحسن .

وقال عطاء : هي بمنزلة المستحاضة . ومعنى القولين واحد ; وذلك لأن هذا الدم إذا لم يكن حيضا فهو دم فساد ، وحكمها حكم المستحاضة ومن به سلس البول ، على ما مر حكمهما

التالي السابق


الخدمات العلمية