صفحة جزء
[ ص: 205 ] باب ذوي الأرحام ذوي الأرحام وهم الأقارب الذين لا فرض لهم ولا تعصيب ، وهم أحد عشر حيزا ; ولد البنات ، وولد الأخوات ، وبنات الإخوة ، وولد الإخوة من الأم ، والعمات من جميع الجهات ، والعم من الأم ، والأخوال ، والخالات ، وبنات الأعمام ، والجد أبو الأم ، وكل جدة أدلت بأب بين أمين ، أو بأب أعلى من الجد . فهؤلاء ، ومن أدلى بهم ، يسمون ذوي الأرحام . وكان أبو عبد الله يورثهم إذا لم يكن ذو فرض ، ولا عصبة ، ولا أحد من الوارث ، إلا الزوج ، والزوجة .

روي هذا القول عن عمر ، وعلي ، وعبد الله ، وأبي عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، وأبي الدرداء رضي الله عنهم . وبه قال شريح ، وعمر بن عبد العزيز ، وعطاء ، وطاوس ، وعلقمة ، ومسروق ، وأهل الكوفة . وكان زيد لا يورثهم ، ويجعل الباقي لبيت المال . وبه قال مالك ، والأوزاعي ، والشافعي رضي الله عنهم وأبو ثور ، وداود ، وابن جرير ; لأن عطاء بن يسار روى { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب إلى قباء يستخير الله تعالى في العمة والخالة ، فأنزل عليه أن لا ميراث لهما . } رواه سعيد ، في " سننه " ;

لأن العمة ، وابنة الأخ لا ترثان مع أخويهما ، فلا ترثان منفردتين ، كالأجنبيات . وذلك لأن انضمام الأخ إليهما يؤكدهما ويقويهما ، بدليل أن بنات الابن ، والأخوات من الأب ، يعصبهن أخوهن فيما بقي بعد ميراث البنات والأخوات من الأبوين ، ولا يرثن منفردات ، فإذا لم يرث هاتان مع أخيهما ، فمع عدمه أولى . ولأن المواريث إنما تثبت نصا ، ولا نص في هؤلاء .

ولنا قول الله تعالى : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } . أي أحق بالتوارث في حكم الله تعالى . قال أهل العلم : كان التوارث في ابتداء الإسلام بالحلف ، فكان الرجل يقول للرجل : دمي دمك ، ومالي مالك ، تنصرني وأنصرك ، وترثني وأرثك . فيتعاقدان الحلف بينهما على ذلك ، فيتوارثان به دون القرابة ، وذلك قول الله عز وجل : { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } .

ثم نسخ ذلك ، وصار التوارث بالإسلام والهجرة ، فإذا كان له ولد ، ولم يهاجر ، ورثه المهاجرون دونه ، وذلك قوله عز وجل : { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } . ثم نسخ ذلك بقول الله تعالى : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } . وروى الإمام أحمد ، بإسناده ، عن سهل بن حنيف ، أن رجلا رمى رجلا بسهم ، فقتله ، ولم يترك إلا خالا ، فكتب فيه أبو عبيدة إلى عمر ، فكتب إليه عمر ; إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { الخال وارث من لا وارث له } . قال الترمذي : هذا حديث حسن .

وروى المقداد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الخال وارث من لا وارث له ، يعقل عنه ، ويرثه } . أخرجه أبو داود . وفي لفظ : [ ص: 206 ] { مولى من لا مولى له ، يعقل عنه ، ويفك عانيه } . فإن قيل : المراد به أن من ليس له إلا خال فلا وراث له ، كما يقال : الجوع زاد من لا زاد له ، والماء طيب من لا طيب له ، والصبر حيلة من لا حيلة له .

أو أنه أراد بالخال السلطان . قلنا : هذا فاسد ; لوجوه ثلاثة ; أحدها ، أنه قال : " يرث ماله " ، وفي لفظ قال : " يرثه " . والثاني ، أن الصحابة فهموا ذلك ، فكتب عمر بهذا جوابا لأبي عبيدة حين سأله عن ميراث الخال ، وهم أحق بالفهم والصواب من غيرهم . الثالث ، أنه سماه وارثا ، والأصل الحقيقة . وقولهم : إن هذا يستعمل للنفي . قلنا : والإثبات ، كقولهم : يا عماد من لا عماد له . يا سند من لا سند له . يا ذخر من لا ذخر له .

وقال سعيد : حدثنا أبو شهاب ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمه واسع بن حبان ، قال : { توفي ثابت ابن الدحداحة ، ولم يدع وارثا ولا عصبة ، فرفع شأنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله إلى ابن أخته أبي لبابة بن عبد المنذر . } ورواه أبو عبيد ، في " الأموال " ، إلا أنه قال : ولم يخلف إلا ابنة أخ له ، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بميراثه لابنة أخيه .

ولأنه ذو قرابة ، فيرث ، كذوي الفروض ; وذلك لأنه ساوى الناس في الإسلام ، وزاد عليهم بالقرابة ، فكان أولى بماله منهم ، ولهذا كان أحق في الحياة بصدقته وصلته ، وبعد الموت بوصيته ، فأشبه ذوي الفروض والعصبات المحجوبين ، إذا لم يكن من يحجبهم . وحديثهم مرسل . ثم يحتمل أنه لا ميراث لهما مع ذوي الفروض والعصبات ; ولذلك سمي الخال " وارث من لا وارث له " . أي لا يرث إلا عند عدم الوارث . وقولهم : لا يرثان مع أخيهما . قلنا : لأنهما أقوى منهما .

وقولهم : إن الميراث إنما ثبت نصا . قلنا : قد ذكرنا نصوصا . ثم التعليل واجب مهما أمكن ، وقد أمكن هاهنا ، فلا يصار إلى التعبد المحض .

التالي السابق


الخدمات العلمية