صفحة جزء
( 518 ) مسألة : قال : ( فإذا صار ظل كل شيء مثله فهو آخر وقتها ) يعني أن الفيء إذا زاد على ما زالت عليه الشمس قدر ظل طول الشخص ، فذلك آخر وقت الظهر . قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : وأي شيء آخر وقت الظهر ؟ قال : أن يصير الظل مثله . قيل له : فمتى يكون الظل مثله ؟ قال : إذا زالت الشمس ، فكان الظل بعد الزوال مثله ، فهو ذاك . ومعرفة ذلك أن يضبط ما زالت عليه الشمس ، ثم ينظر الزيادة عليه ، فإن كانت قد بلغت قدر الشخص ، فقد انتهى وقت الظهر ; ومثل شخص الإنسان ستة أقدام ونصف بقدمه ، أو يزيد قليلا ، فإذا أردت اعتبار الزيادة بقدمك مسحتها على ما ذكرناه في الزوال ، ثم أسقطت منه القدر الذي زالت عليه الشمس ، فإذا بلغ الباقي ستة أقدام ونصف فقد بلغ المثل ، فهو آخر وقت الظهر ، وأول وقت العصر .

وبهذا قال مالك ، والثوري ، والشافعي ، والأوزاعي ونحوه قال أبو يوسف ، ومحمد ، وأبو ثور وداود وقال عطاء : لا تفريط للظهر حتى تدخل الشمس صفرة . وقال طاوس : وقت الظهر والعصر إلى الليل . وحكي عن مالك : وقت الاختيار إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ، ووقت الأداء إلى أن يبقى من غروب الشمس قدر ما يؤدى فيه العصر ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في الحضر .

وقال أبو حنيفة : وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إنما مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجيرا ، فقال : من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط ؟ فعملت اليهود ، ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط ؟ فعملت النصارى ، ثم قال : من يعمل لي من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين ؟ فأنتم هم . فغضب اليهود والنصارى ، وقالوا : ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء ؟ قال : هل نقصتكم من حقكم ؟ قالوا : لا ؟ قال فذلك فضلي أوتيه من أشاء } أخرجه البخاري وهذا يدل على أن من الظهر إلى العصر أكثر من العصر إلى المغرب .

ولنا { أن جبريل عليه السلام صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر حين كان الفيء مثل الشراك في اليوم الأول ، وفي اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله ، ثم قال : الوقت ما بين هذين } وحديث مالك محمول على العذر بمطر أو مرض ، وما احتج به أبو حنيفة لا حجة له فيه ; لأنه قال : إلى صلاة العصر . وفعلها يكون بعد دخول الوقت وتكامل الشروط ، على أن أحاديثنا قصد بها بيان الوقت ، وخبرهم قصد به ضرب المثل ، فالأخذ بأحاديثنا أولى . قال ابن عبد البر خالف أبو حنيفة في قوله هذا الآثار والناس ، وخالفه أصحابه .

التالي السابق


الخدمات العلمية