صفحة جزء
( 524 ) فصل : وصلاة العصر هي الصلاة الوسطى ، في قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، منهم : علي بن أبي طالب ، وأبو هريرة ، وأبو أيوب ، وأبو سعيد وعبيدة السلماني ، والحسن ، والضحاك ، وأبو حنيفة ، وأصحابه . وروي عن زيد بن ثابت وعائشة أنها صلاة الظهر .

وبه . قال عبد الله بن شداد ; لما روي عن زيد بن ثابت ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، فنزلت : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } } رواه أبو داود وروت عائشة { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر } رواه أبو داود والترمذي ، وقال حديث صحيح .

وقال طاوس ، وعطاء ، وعكرمة ، ومجاهد ، والشافعي : هي الصبح لقول الله تعالى : { والصلاة الوسطى [ ص: 229 ] وقوموا لله قانتين } والقنوت طول القيام ، وهو مختص بالصبح ; ولأنها من أثقل الصلاة على المنافقين ، ولهذا اختصت بالوصية وبالمحافظة عليها ، وقال الله تعالى : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } يعني صلاة الفجر والعصر ، وروى جرير بن عبد الله قال : { كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال : أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } متفق عليه . وللبخاري { فافعلوا } ثم قرأ جرير { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها }

وقال النبي صلى الله عليه وسلم { يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم ، فيسألهم ، وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون } وقال النبي صلى الله عليه وسلم { من صلى البردين دخل الجنة } يريد هاتين الصلاتين . وقال : { لو يعلمون ما في صلاة العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا } متفق على هذه الأحاديث .

وقيل : هي المغرب ; لأن الأولى هي الظهر ، فتكون المغرب الثالثة ، والثالثة من كل خمس هي الوسطى ; ولأنها وسطى في عدد الركعات ، ووسطى في الأوقات ; لأن عدد ركعاتها ثلاث ، فهي وسطى بين الأربع والاثنين ، ووقتها في آخر النهار وأول الليل ، وخصت من بين الصلاة بأنها وتر ، والله وتر يحب الوتر ، وبأنها تصلى في أول وقتها في جميع الأمصار والأعصار .

ويكره تأخيرها عنه ، وكذلك صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليومين لوقت واحد ، ولذلك ذهب بعض الأئمة إلى أنها ليس لها إلا وقت واحد لذلك ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم { لا تزال أمتي ، أو قال : هذه الأمة بخير أو قال على الفطرة ، ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم } رواه أبو داود وقيل : هي العشاء ; لما روى ابن عمر ، قال : { مكثنا ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة ، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده ، فقال : إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ، ولولا أن أشق على أمتي لصليت بهم هذه الساعة . وقال : إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الغداة والعشاء الآخرة ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا } متفق عليهما .

ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا } متفق عليه . وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صلاة الوسطى صلاة العصر . } وعن سمرة مثله ، قال الترمذي في كل واحد منهما : هذا حديث حسن صحيح .

وهذا نص لا يجوز التعريج معه على شيء يخالفه ; ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله } متفق عليه ، وقال : { من فاتته صلاة العصر حبط عمله } رواه البخاري ، وابن ماجه وقال : { إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها ، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين ، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد } يعني النجم رواه البخاري وما ذكر في صلاة الصبح فقد شاركته [ ص: 230 ] صلاة العصر في أكثره ، ورواية عائشة " وصلاة العصر " فالواو زائدة كالواو في قوله تعالى { وليكون من الموقنين } وفي قوله { وخاتم النبيين } وقوله : { وقوموا لله قانتين } فالقنوت قيل : هو الطاعة . أي قوموا لله مطيعين .

وقيل : القنوت السكوت . قال زيد بن أرقم : كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت { وقوموا لله قانتين } فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام . ثم ما روينا نص صريح . فكيف يترك بمثل هذا الوهم ، أو يعارض به ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية