صفحة جزء
( 526 ) مسألة : قال : ( فإذا غاب الشفق ، وهو الحمرة في السفر ، وفي الحضر البياض ; لأن في الحضر قد تنزل الحمرة فتواريها الجدران ، فيظن أنها قد غابت ، فإذا غاب البياض فقد تيقن ، ووجبت عشاء الآخرة إلى ثلث الليل ) لا خلاف في دخول وقت العشاء بغيبوبة الشفق ، وإنما اختلفوا في الشفق ما هو ؟ فمذهب إمامنا ، رحمه الله ، أن الشفق [ ص: 231 ] الذي يخرج به وقت المغرب ، ويدخل به وقت العشاء ، هو الحمرة . وهذا قول ابن عمر ، وابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والزهري ، ومالك ، والثوري ، وابن أبي ليلى ، والشافعي ، وإسحاق ، وصاحبي أبي حنيفة .

وعن أنس ، وأبي هريرة : الشفق البياض . وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز ، وبه قال الأوزاعي ، وأبو حنيفة ، وابن المنذر ; لأن النعمان بن بشير قال : أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة صلاة العشاء ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة . رواه أبو داود وروي عن ابن مسعود ، قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي هذه الصلاة حين يسود الأفق . }

ولنا ، ما روت عائشة ، رضي الله عنها قالت : { أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء حتى ناداه عمر بالصلاة : نام النساء والصبيان . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما ينتظرها أحد غيركم قال : ولا يصلي يومئذ إلا بالمدينة وكان يصلون فيما بين أن يغيب الشفق الأول إلى ثلث الليل . } رواه البخاري والشفق الأول هو الحمرة . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { وقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق } رواه أبو داود وروي " ثور الشفق " وفور الشفق : فورانه وسطوعه . وثوره : ثوران حمرته ، وإنما يتناول هذا الحمرة ، وآخر وقت المغرب أول وقت العشاء .

وروي عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الشفق الحمرة ، فإذا غاب الشفق وجبت العشاء } رواه الدارقطني وما رووه لا حجة لهم فيه ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤخر الصلاة عن أول الوقت قليلا ، وهو الأفضل والأولى ، ولهذا روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه { قال لبلال : اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله ، والمتوضئ من وضوئه ، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته } إذا ثبت هذا ، فإنه إن كان في مكان يظهر له الأفق ، ويبين له مغيب الشفق ، فمتى ذهبت الحمرة وغابت ، دخل وقت العشاء ، وإن كان في مكان يستتر عنه الأفق بالجدران والجبال ، استظهر حتى يغيب البياض ، ليستدل بغيبته على مغيب الحمرة ، فيعتبر غيبة البياض ، لدلالته على مغيب الحمرة لا لنفسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية