صفحة جزء
( 5049 ) مسألة ; قال : ( ولو أمره أن يجعلها في منزل ، فأخرجها عن المنزل ، لغشيان نار ، أو سيل ، أو شيء الغالب منه البوار ، فلا ضمان عليه ) وجملة ذلك أن رب الوديعة إذا أمر المستودع بحفظها في مكان عينه ، فحفظها فيه ، ولم يخش عليها ، فلا ضمان عليه . بغير خلاف لأنه ممتثل لأمره ، غير مفرط في ماله . وإن خاف عليها سيلا وتوى ، يعني هلاكا ، فأخرجها منه إلى حرزها ، فتلفت ، فلا ضمان عليه . بغير خلاف أيضا ; لأن نقلها في هذه الحال تعين حفظا لها ، وهو مأمور بحفظها .

وإن تركها مع الخوف فتلفت ، ضمنها سواء تلفت بالأمر المخوف أو بغيره ; لأنه فرط في حفظها ، لأن حفظها نقلها ، وتركها تضييع لها . وإن لم يخف عليها فنقلها عن الحرز إلى دونه ، ضمنها ; لأنه خالفه في الحفظ المأمور به . وإن نقلها إلى دونه عند الخوف عليها ، نظرنا ; فإن أمكنه إحرازها بمثله ، أو أعلى منه ، ضمنها أيضا ; لتفريطه ، وإن لم يمكنه إحرازها إلا بما دونه ، لم يضمنها ; لأن إحرازها بذلك أحفظ لها من تركه ، وليس في وسعه سواه . وإن نقلها إلى مثل ذلك الحرز لغير عذر ، فقال القاضي : لا يضمنها . وهو مذهب الشافعي ; لأن تقييده بهذا الحرز يقتضي ما هو مثله ، كمن اكترى أرضا لزرع حنطة ، فله زرعها وزرع مثلها في الضرر . ويحتمل كلام الخرقي لزوم الضمان ، لأن الأمر بشيء يقتضي تعيينه ، فلا يعدل عنه إلا بدليل .

وإن نقلها إلى أحرز منه كان حكمه حكم ما لو أخرجها إلى مثله . فإن نهاه عن إخراجها من ذلك المكان ، فالحكم فيه كما لو أمره بتركها فيه ولم ينهه عن إخراجها منه ، إلا في أنه إذا خاف عليها فلم يخرجها حتى تلفت ، ففيه وجهان ; أحدهما ، يضمن ; لما ذكرنا في التي قبلها . والثاني ، لا يضمن ; لأنه ممتثل لقول صاحبها [ ص: 304 ] وفي أنه إذا أخرجها لغير عذر ضمنها ، سواء أخرجها إلى مثله أو دونه أو فوقه لأنه خالف صاحبها لغير فائدة . وهذا ظاهر كلام الشافعي . وقال أبو حنيفة : إن نهاه عن نقلها من بيت ، فنقلها إلى بيت آخر من الدار ، لم يضمن ; لأنه البيتين من دار واحدة حرز واحد ، وطريق أحدهما طريق الآخر ، فأشبه ما لو نقلها من زاوية إلى زاوية .

وإن نقلها من دار إلى دار أخرى ، ضمن . ولنا ، أنه خالف أمر صاحبها بما لا مصلحة فيه ، فيضمن ، كما لو نقلها من دار إلى دار . وليس ما فرق به صحيحا ; لأن ثبوت الدار تختلف ، فمنها ما هو أقرب إلى الطريق ، أو إلى موضع الوقود ، أو إلى الانهدام ، أو أسهل فتحا ، أو بابه أسهل كسرا ، أو أضعف حائطا ، أوأسهل نقبا ، أو لكون المالك يسكن به ، أو يسكن في غيره ، وأشباه هذا مما يؤثر في الحفظ أو في عدمه ، فلا يجوز تفويت غرض رب الوديعة من تعيينه من غير ضرورة . وإن خاف عليها في موضعها ، فعليه نقلها .

فإن تركها فتلفت ضمنها ; لأن نهي صاحبها عن إخراجها إنما كان لحفظها ، وحفظها هاهنا في إخراجها ، فأشبه ما لو لم ينهه عن إخراجها . فإن قال : لا تخرجها وإن خفت عليها . فأخرجها من غير خوف ضمنها ، وإن أخرجها عند خوفه عليها ، أو تركها فتلفت ، لم يضمنها ; لأن نهيه مع خوف الهلاك نص فيه ، وتصريح به ، فيكون مأذونا في تركها في تلك الحال ، فلم يضمنها ; لامتثاله أمر صاحبها ، كما لو قال له : أتلفها . فأتلفها . ولا يضمن إذا أخرجها ; لأنه زيادة خير وحفظ ، فلم يضمن به ، كما لو قال له : أتلفها . فلم يتلفها حتى تلفت .

التالي السابق


الخدمات العلمية