صفحة جزء
( 5063 ) فصل : وإذا أودع بهيمة ، فأمره صاحبها بعلفها وسقيها ، لزمه ذلك لوجهين ; أحدهما ، لحرمة صاحبها ; لأنه أخذها منه على ذلك . والثاني ، لحرمة البهيمة ، فإن الحيوان يجب إحياؤه بالعلف والسقي . ويحتمل أن لا يلزمه علفها . إلا أن يقبل ذلك ; لأن هذا تبرع منه ، فلا يلزمه بمجرد أمر صاحبها ، كغير الوديعة . وإن أطلق ولم يأمره بعلفها ، لزمه ذلك أيضا . وبهذا قال الشافعي . ويحتمل أن لا يلزمه ذلك . وبه قال أبو حنيفة ; لأنه استحفظه إياها ، ولم يأمر بعلفها ، والعلف على مالكها ، فإذا لم يعلفها كان هو المفرط في ماله [ ص: 309 ]

ولنا ، أنه لا يجوز إتلافها ، ولا التفريط فيها ، فإذا أمره بحفظها تضمن ذلك علفها وسقيها ، ثم ننظر ; فإن قدر المستودع على صاحبها أو وكيله ، طالبه بالإنفاق عليها ، أو بردها عليه ، أو يأذن له في الإنفاق عليها ليرجع به . فإذا عجز عن صاحبها أو وكيله ، رفع الأمر إلى الحاكم ، فإن وجد لصاحبها مالا أنفق عليها منه ، وإن لم يجد مالا فعل ما يرى لصاحبها الحظ فيه ، من بيعها ، أو بيع بعضها وإنفاقه عليها ، أو إجارتها ، أو الاستدانة على صاحبها من بيت المال ، أو من غيره ، ويدفع ذلك إلى المودع إن أراد ذلك لينفقه عليها ، وإن رأى دفعه إلى غيره ليتولى الإنفاق عليها ، جاز .

وإن استدان من المودع ، جاز أن يدفعه إليه ليتولى الإنفاق عليها ; لأنه أمين عليها . ويجوز أن يأذن له الحاكم في أن ينفق عليها من ماله ، ويكون قابضا لنفسه من نفسه ، ويكل ذلك إلى اجتهاده في قدر ما ينفق ، ويرجع به على صاحبها ، فإن اختلفا في قدر النفقة ، فالقول قول المودع إذا ادعى النفقة بالمعروف ، وإن ادعى أكثر من ذلك ، لم يثبت له . وإن اختلفا في قدر المدة التي أنفق فيها ، فالقول قول صاحبها ; لأن الأصل عدم ذلك . فإن لم يقدر على الحاكم ، فأنفق عليها محتسبا بالرجوع على صاحبها ، وأشهد على الرجوع ، رجع بما أنفق ، رواية واحدة .

لأنه مأذون فيه عرفا ، ولا تفريط منه إذا لم يجد حاكما . وإن فعل ذلك مع إمكان استئذان الحاكم من غير إذنه ، فهل له الرجوع ؟ يخرج على روايتين . نص عليها فيما إذا أنفق على البهيمة المرهونة من غير إذن الراهن ، وفي الضامن إذا ضمن وأدى بغير إذن المضمون عنه ، هل يرجع به ؟ على روايتين ; إحداهما ، يرجع به ; لأنه مأذون فيه عرفا . والثانية ، لا يرجع ; لأنه مفرط بترك استئذان الحاكم . وإن أنفق من غير إشهاد ، مع العجز عن استئذان الحاكم ، أو مع إمكانه ، ففي الرجوع وجهان أيضا كذلك . ومتى علف البهيمة أو سقاها في داره ، أو غيرها ، بنفسه ، أو أمر غلامه أو صاحبه ، ففعل ذلك ، كما يفعل في بهائمه .

على ما جرت به العادة ، فلا ضمان عليه ; لأن هذا مأذون فيه عرفا ، لجريان العادة به ، فأشبه المصرح به .

التالي السابق


الخدمات العلمية