( 5097 ) مسألة ; قال : ( الفقراء ، وهم الزمنى ، والمكافيف الذين لا حرفة لهم ، والحرفة الصناعة ، ولا يملكون خمسين درهما ، ولا قيمتها من الذهب . والمساكين ، وهم السؤال ، وغير السؤال ، ومن لهم الحرفة ، إلا أنهم لا يملكون خمسين درهما ، ولا قيمتها من الذهب ) 
الفقراء والمساكين صنفان في الزكاة ، وصنف واحد في سائر الأحكام ; 
لأن كل واحد من الاسمين ينطلق عليهما ، فأما إذا جمع بين الاسمين ، وميز بين المسميين تميزا ، وكلاهما يشعر بالحاجة والفاقة وعدم الغنى ، إلا أن الفقير أشد حاجة من المسكين ، من قبل أن الله تعالى بدأ به ، وإنما يبدأ بالأهم فالأهم . وبهذا قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    . 
 nindex.php?page=showalam&ids=13721والأصمعي    . وذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة  إلى أن المسكين أشد حاجة . وبه قال 
الفراء  ، 
وثعلب  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13436وابن قتيبة  ، لقول الله تعالى : { 
أو مسكينا ذا متربة   } . وهو المطروح على التراب لشدة حاجته ، وأنشدوا : 
أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد 
فأخبر أن الفقير حلوبته وفق عياله . 
ولنا أن الله تعالى بدأ بالفقراء ، فيدل على أنهم أهم ، وقال تعالى : { 
أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر   } . فأخبر أن المساكين لهم سفينة يعملون بها . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=14807اللهم أحيني مسكينا ، وأمتني مسكينا ، واحشرني في زمرة المساكين . وكان يستعيذ من الفقر ،   } ولا يجوز أن يسأل الله تعالى شدة الحاجة ، ويستعيذ من حالة أصلح منها . ولأن الفقر مشتق من فقر الظهر ، فعيل بمعنى مفعول ، أي مفقود ، وهو الذي نزعت فقرة ظهره ، فانقطع صلبه . 
قال الشاعر : 
لما رأى لبد النسور تطايرت     رفع القوادم كالفقير الأعزل 
أي لم يطق الطيران ، كالذي انقطع صلبه . والمسكين مفعيل من السكون ، وهو الذي أسكنته الحاجة ، ومن كسر صلبه أشد حالا من الساكن . فأما الآية فهي حجة لنا ، فإن نعت الله تعالى للمسكين بكونه ذا متربة ، يدل على أن هذا النعت لا يستحقه بإطلاق اسم المسكنة ، كما يقال : ثوب ذو علم . ويجوز التعبير بالمسكين عن الفقير ، بقرينة وبغير قرينة ، والشعر أيضا حجة لنا ، فإنه أخبر أن الذي كانت حلوبته وفق العيال ، لم يترك له سبد ، فصار  
[ ص: 324 ] فقيرا لا شيء له . 
إذا تقرر هذا ، فالفقير الذي لا يقدر على كسب ما يقع موقعا من كفايته ، ولا له من الأجرة أو من المال الدائم ما يقع موقعا من كفايته ، ولا له خمسون درهما ، ولا قيمتها من الذهب ، مثل الزمنى والمكافيف وهم العميان ، سموا بذلك لكف أبصارهم ; لأن هؤلاء في الغالب لا يقدرون على اكتساب ما يقع موقعا من كفايتهم ، وربما لا يقدرون على شيء أصلا ، قال الله تعالى : { 
للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا   } . ومعنى قولهم : يقع موقعا من كفايتهم 
أنه يحصل به معظم الكفاية ، أو نصف الكفاية مثل من يكفيه عشرة فيحصل له من مكسبه أو غيره خمسة فما زاد ، والذي لا يحصل له إلا ما لا يقع موقعا من كفايته ، كالذي لا يحصل له إلا ثلاثة أو دونها ، فهذا هو الفقير ، والأول هو المسكين ، فيعطى كل واحد منهما ما يتم به كفايته ، وتنسد به حاجته ; لأن المقصود دفعها وإغناء صاحبها ، ولا يحصل إلا بذلك . والذي يسأل ، ويحصل الكفاية أو معظمها من مسألته ، فهو من المساكين ، لكنه يعطى جميع كفايته ، ويغنى عن السؤال . فإن قيل : فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=33814ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان ، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس ، ولا يفطن له فيتصدق عليه   } . 
قلنا ، هذا تجوز ، وإنما نفي المسكنة عنه مع وجودها فيه حقيقة ، مبالغة في إثباتها في الذي لا يسأل الناس ، كما قال عليه السلام : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=33807ليس الشديد بالصرعة ، وإنما الشديد الذي يغلب نفسه عند الغضب   } . وقال : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=34289ما تعدون الرقوب فيكم ؟ . قالوا : الذي لا يعيش له ولد . قال : لا ، ولكن الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا   } . وقال : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=34291ما تعدون المفلس فيكم ؟ . قالوا : الذي لا درهم له ولا متاع . قال : لا ، ولكن المفلس الذي يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال ، ويأتي وقد ظلم هذا ، ولطم هذا ، وأخذ من عرض هذا ، فيأخذ هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، حتى إذا نفدت حسناته ، أخذ من سيئاتهم ، فطرحت عليه ، ثم يصك له صك إلى النار   } .