صفحة جزء
( 5121 ) مسألة ; قال : ( ويعطى أيضا في الحج ، وهو من سبيل الله ) ويروى هذا عن ابن عباس . وعن ابن عمر ، الحج في سبيل الله . وهو قول إسحاق ; لما روي { أن رجلا جعل ناقة له في سبيل الله ، فأرادت امرأته الحج ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : اركبيها ، فإن الحج في سبيل الله } . وعن أحمد رحمه الله رواية أخرى ، لا يصرف منها في الحج . وبه قال مالك ، وأبو حنيفة ، والثوري ، والشافعي ، وأبو ثور ، وابن المنذر . وهذا أصح ; لأن سبيل الله عند الإطلاق إنما ينصرف إلى الجهاد ، فإن كل ما في القرآن من ذكر سبيل الله .

إنما أريد به الجهاد ، إلا اليسير ، فيجب أن يحمل ما في هذه الآية على ذلك ; لأن الظاهر إرادته به ، ولأن الزكاة إنما تصرف إلى أحد رجلين ، محتاج إليها ، كالفقراء والمساكين وفي الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم ، أو من يحتاج إليه المسلمون ، كالعامل والغازي والمؤلف والغارم لإصلاح ذات البين . والحج من الفقير لا نفع للمسلمين فيه ، ولا حاجة بهم إليه ، ولا حاجة به أيضا إليه ، لأن الفقير لا فرض عليه فيسقطه ، ولا مصلحة له في إيجابه عليه ، وتكليفه مشقة قد رفهه الله منها ، وخفف عنه إيجابها ، وتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة من سائر الأصناف ، أو دفعه في مصالح المسلمين أولى . وأما الخبر فلا يمنع أن يكون الحج من سبيل الله ، والمراد بالآية غيره ; لما ذكرنا .

وقال الشافعي : يجوز الدفع إلى من أراد الحج ، لكونه ابن سبيل . ولا يصح ; لأن ابن السبيل المسافر المنقطع به ، ومن هو محتاج إلى السفر ، ولا حاجة بهذا إلى هذا السفر . فإن قلنا : يدفع في الحج منها . فلا يعطى إلا بشرطين ; أحدهما ، أن يكون ممن ليس له ما يحج به سواها ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مرة سوي } . وقال : { لا تحل الصدقة لغني ، إلا لخمسة } . ولم يذكر الحاج منهم . ولأنه يأخذ لحاجته ، لا لحاجة المسلمين إليه ، فاعتبرت فيه الحاجة ، كمن يأخذ لفقره

والثاني ، أن يأخذه لحجة الفرض . ذكره أبو الخطاب ; لأنه يحتاج إلى إسقاط فرضه وإبراء ذمته ، أما التطوع فله مندوحة عنه . وقال القاضي : ظاهر كلام أحمد جواز ذلك في الفرض والتطوع معا . وهو ظاهر قول الخرقي ; لأن الكل من سبيل الله ، ولأن الفقير لا فرض عليه ، فالحجة منه كالتطوع ، فعلى هذا يجوز أن يدفع إليه ، ما يحج به حجة كاملة ، وما يغنيه في حجة ، ولا يجوز أن يحج من زكاة نفسه ، كما لا يجوز أن يغزو بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية