صفحة جزء
الحكم الثاني ، أن هذا العقد يقع فاسدا ، لا يقف على الإجازة ، ولا يصير بالإجازة صحيحا ، وكذلك الحكم إذا زوج الأجنبي أو زوجت المرأة المعتبر إذنها بغير إذنها ، أو تزوج العبد بغير إذن سيده ، فالنكاح في هذا كله باطل ، في أصح الروايتين . نص عليه أحمد في مواضع . وهو قول الشافعي ، وأبي عبيد وأبي ثور . وعن أحمد رواية أخرى ، أنه يقف على الإجازة ; فإن أجازه جاز ، وإن لم يجزه فسد . قال أحمد ، في صغير زوجه عمه : فإن رضي به في وقت من الأوقات ، جاز ، وإن لم يرض ، فسخ

وإذا زوجت اليتيمة ، فلها الخيار إذا بلغت . وقال : إذا زوج العبد بغير إذن سيده ، ثم علم السيد ، فإن شاء أن يطلق عليه فالطلاق بيد السيد ، فإن أذن في التزويج فالطلاق بيد العبد . وهذا قول أصحاب الرأي ، في كل مسألة يعتبر فيها الإذن . وروي ذلك في النكاح بغير ولي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن ابن سيرين ، والقاسم بن محمد ، والحسن بن صالح ، وإسحاق ، وأبي يوسف ، ومحمد ; لما روي { أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم } رواه أبو داود ، وابن ماجه . وروي { أن فتاة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أبي زوجني من ابن أخيه ، ليرفع بي خسيسته . قال : فجعل الأمر إليها . فقالت : قد أجزت ما صنع أبي ، ولكني أردت أن أعلم أن للنساء من الأمر شيئا . } رواه ابن ماجه والنسائي

. وفي رواية ابن ماجه : { أردت أن يعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء } . ولأنه عقد يقف على الفسخ ، فوقف على الإجازة ، كالوصية

ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل . } وقال : { إذا نكح العبد بغير إذن سيده ، فنكاحه باطل } ، رواه أبو داود ، وابن ماجه . إلا أن أبا داود قال : هو موقوف على ابن عمر ولأنه عقد لا تثبت فيه أحكامه ; من الطلاق ، والخلع ، واللعان ، والتوارث ، وغيرها ، فلم ينعقد ، كنكاح المعتدة . فأما حديث المرأة التي خيرها النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرسل عن عكرمة ، رواه الناس كذلك ، ولم يذكروا ابن عباس

قاله أبو داود . ثم يحتمل أن هذه المرأة هي التي قالت : زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته . فخيرها لتزويجها من غير كفئها ، وهذا يثبت الخيار ولا يبطل النكاح ، والوصية يتراخى فيها القبول ، وتجوز بعد الموت ، فهي معدول بها عن سائر التصرفات ، ولا تفريع على هذه الرواية لوضوحها . فأما على الرواية الأخرى ، فإن الشهادة تعتبر في العقد ; لأنها شرط له ، فيعتبر وجودها معه ، كالقبول ، ولا تعتبر في الإجازة ; لأنها ليست بعقد ، ولأنها إذا وجدت ، استند الملك إلى حالة العقد ، حتى لو كان في العقد نماء ملك من حين العقد ، [ ص: 23 ] لا من حين الإجازة ، وإن مات أحدهما قبل الإجازة ، لم يرثه الآخر ; لأنه مات قبل تمام العقد وصحته

وفيه وجه آخر ، إن كان مما لو رفع إلى الحاكم أجازه ، ورثه الآخر ; لأنه عقد يلزمه إجازته ، فهو كالصحيح ، وإن كان مما يفسخه ، لم يرثه .

( 5182 ) فصل : ومتى تزوجت المرأة بغير إذن وليها ، أو الأمة بغير إذن سيدها ، فقد ذكره أصحابنا من جملة الصور التي فيها الروايتان . والصحيح عندي أنه لا يدخل فيها ; لتصريح النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالبطلان . ولأن الإجازة إنما تكون لعقد صدر من أهله في محله . فأما ما لم يصدر من الأهل ، كالذي عقده المجنون أو الطفل ، فلا يقف على الإجازة ، وهذا عقد لم يصدر من أهله ; فإن المرأة ليست أهلا له ، بدليل أنه لو أذن لها فيه ، لم يصح منها ، وإذا لم يصح مع الإذن المقارن ، فلأن لا يصح بالإجازة المتأخرة أولى ، ولا تفريع على هذا

فأما على القول الآخر ، فمتى تزوجت المرأة بغير إذن الولي ، فرفع إلى الحاكم ، لم يملك إجازته ، والأمر فيه إلى الولي ، فمتى رده بطل ; لأن من وقف الحكم على إجازته ، بطل برده ، كالمرأة إذا زوجت بغير إذنها . وفيه وجه آخر ، أنه إذا كان الزوج كفؤا ، أمر الحاكم الولي بإجازته ، فإن لم يفعل أجازه الحاكم ، لأنه لما امتنع من الإجازة صار عاضلا ، فانتقلت الولاية عنه إلى الحاكم ، كما في ابتداء العقد ، ومتى حصلت الإصابة قبل الإجازة ثم أجيز ، فالمهر واحد ; إما المسمى ، وإما مهر المثل إن لم يكن مسمى ; لأن الإجازة مستندة إلى حالة العقد ، فيثبت الحل والملك من حين العقد ، كما ذكرنا في البيع ، ولذلك لم يجب الحد

ومتى تزوجت الأمة بغير إذن سيدها ، ثم خرجت من ملكه قبل الإجازة إلى من تحل له ، انفسخ النكاح ; لأنه قد طرأت استباحة صحيحة على موقوفة فأبطلتها ، ولأنها أقوى فأزالت الأضعف ، كما لو طرأ ملك يمينه على ملك نكاحه . وإن خرجت إلى من لا تحل له ، كالمرأة أو اثنين ، فكذلك أيضا ; لأن العقد إذا وقف على إجازة شخص ، لم يجز بإجازة غيره ، كما لو باع أمة غيره ثم باعها المالك ، فأجاز المشتري الثاني بيع الأجنبي . وفيه وجه آخر ، أنه يجوز بإجازة المالك الثاني ; لأنه يملك ابتداء العقد ، فملك إجازته كالأول ، ولا فرق بين أن يخرج ببيع أو إرث أو هبة أو غيره

فأما إن أعتقها السيد ، احتمل أن يجوز النكاح ; لأنه إنما وقف لحق المولى ، فإذا أعتق سقط حقه ، فصح العقد ، واحتمل أن لا يجوز ; لأن إبطال حق المولى ليس بإجازة ، ولأن حق المولى إن بطل من الملك ، فلم يبطل من ولاية التزويج ، فإنه يليها بالولاء .

( 5183 ) فصل : إذا زوجت التي يعتبر إذنها بغير إذنها ، وقلنا : يقف على إجازتها . فإجازتها بالنطق ، أو ما يدل على الرضى من التمكين من الوطء ، أو المطالبة بالمهر والنفقة .

ولا فرق في ذلك بين البكر والثيب ; لأن أدلة الرضى تقوم مقام النطق به ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لبريرة : { إن وطئك زوجك ، فلا خيار لك . } جعل تمكينها دليلا على إسقاط حقها والمطالبة بالمهر والنفقة ، والتمكين من الوطء دليل على الرضى ; لأن ذلك من خصائص العقد الصحيح ، فوجوده من المرأة دليل رضاها به .

التالي السابق


الخدمات العلمية