صفحة جزء
( 5259 ) الفصل الثالث : أن على الزوج فداء أولاده . كذلك قضى عمر وعلي ، وابن عباس رضي الله عنهم وهو قول مالك ، والثوري والشافعي ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي . وعن أحمد ، رواية أخرى ، ليس عليه فداؤهم ; لأن الولد ينعقد حر الأصل ، فلم يضمنه لسيد الأمة ; لأنه لم يملكه . وعنه أنه يقال له : افد أولادك ، وإلا فهم يتبعون أمهم .

فظاهر هذا أنه خيره بين فدائهم وبين تركهم رقيقا ; لأنهم رقيق بحكم الأصل ، فلم يلزمه فداؤهم ، كما لو وطئها وهو يعلم رقها .

وقال الخلال : اتفق عن أبي عبد الله أنه يفدي ولده . وقال إسحاق عنه في موضع : إن الولد له ، وليس عليه أن يفديهم . وأحسبه قولا أول لأبي عبد الله والصحيح أن عليه فداءهم ; لقضاء الصحابة صلوات الله عليهم أجمعين به ، ولأنه نماء الأمة المملوكة ، فسبيله أن يكون مملوكا لمالكها . وقد فوت رقه باعتقاد الحرية ، فلزمه ضمانهم ، كما لو فوت رقهم بفعله .

وفي فدائهم ثلاث مسائل : ( 5260 ) المسألة الأولى في وقته ، وذلك حين وضع الولد . قضى بذلك عمر ، وعلي ، وابن عباس ، رضي الله عنهم وهو قول الشافعي وقال أبو ثور والثوري ، وأصحاب الرأي : يضمنهم بقيمتهم يوم الخصومة ; لأنه إنما يضمنهم بالمنع ، ولم يمنعهم إلا حال الخصومة . ولنا أنه محكوم بحريته عند الوضع ، فوجب أن يضمنه ; لأنه فات رقه من حينئذ ; ولأن القيمة التي تزيد بعد الوضع ، لم تكن مملوكة لمالك الأمة ، فلم يضمنها ، كما بعد الخصومة .

فإن قيل : فقد كان محكوما بحريته ، وهو جنين . قلنا : إلا أنه لم يمكن تضمينه حينئذ ، لعدم قيمته والاطلاع عليه ، فأوجبنا ضمانه في أول حال يمكن تضمينه ، وهو حال الوضع .

( 5261 ) في صفة الفداء ، وفيها ثلاث روايات ; إحداهن بقيمتهم . وهو قول أكثر الفقهاء ; لقول النبي : صلى الله عليه وسلم { من أعتق شقصا من عبد ، قوم عليه نصيب شريكه . } ولأن الحيوان من المتقومات ، لا من ذوات الأمثال ، فيجب ضمانه بقيمته ، كما لو أتلفه . والثانية : يضمنهم بمثلهم عبيدا ، الذكر بذكر ، والأنثى بأنثى ; لما روى سعيد بن المسيب ، قال : أبقت جارية لرجل من العرب ، وانتمت إلى بعض العرب ، فتزوجها رجل من بني عذرة ، ثم إن سيدها دب ، فاستاقها واستاق ولدها ، فاختصموا إلى عمر رضي الله عنه فقضى للعذري بفداء ولده بغرة ، غرة مكان كل غلام ، ومكان كل جارية بجارية ، وكان عمر يقوم الغرة على أهل القرى ومن لم يجد غرة ستين دينارا .

ولأن ولد المغرور حر ، فلا يضمن بقيمته كسائر الأحرار . فعلى هذه الرواية ينبغي أن ينظر إلى مثلهم في الصفات تقريبا ; لأن الحيوان ليس من ذوات الأمثال

ويحتمل أن يجب مثلهم في القيمة . وهو قول أبي بكر . والثالثة : هو مخير بين فدائهم بمثلهم أو قيمتهم . قال أحمد ، في رواية الميموني : إما القيمة أو رأس برأس ; لأنهما [ ص: 52 ] جميعا يرويان عن عمر ، ولكن لا أدري أي الإسنادين أقوى .

وهذا اختيار أبي بكر ، وقال في المقنع : الفدية غرة بغرة بقدر القيمة أو القيمة ، وأيهما أعطى أجزأه . ووجه ذلك أنه تردد بين الجنين الذي يضمن بغرة ، وبين إلحاقه بغيره من المضمونات ، فاقتضى التخيير بينهما

. والصحيح أنه يضمن بالقيمة ، كسائر المضمونات المتقومات . وقول عمر قد اختلف عنه فيه ، قال أحمد في رواية أبي طالب : وعليه قيمتهم مثل قول عمر وإذا تعارضت الروايات عنه ، وجب الرجوع إلى القياس . ( 5262 ) المسألة الثالثة : في من يضمن منهم ، وهو من ولد حيا لوقت يعيش لمثله ، سواء عاش أو مات بعد ذلك وقال مالك ، والثوري ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي : لا ضمان على الأب لمن مات منهم قبل الخصومة . وهذا مبني على وقت الضمان ، وقد ذكرناه

فأما السقط ، ومن ولد لوقت لا يعيش لمثله ، وهو دون ستة أشهر ، فلا ضمان ; لأنه لا قيمة له . ( 5263 )

التالي السابق


الخدمات العلمية